ولما كان الله عزَّ وجلَّ يحدث عند كل واحد من طرفي إقبال الليل والنهار وإدبارهما ما يحدثه، ويبث من خلقه ما شاء، فينشر الأرواح الشيطانية عند إقبال الليل، وينشر الأرواح الإنسانية عند إقبال النهار، فيحدث هذا الانتشار في العالم أثره، شرع سبحانه في هذين الوقتين الصلاتين العظيمتين المغرب والفجر، ليذكر العبد ربه، ويسبحه ويحمده عند حدوث هذا التغير الكوني العظيم.
وهو سبحانه الذي جعل الليل والنهار يخلف أحدهما الآخر، فلا يجتمعان أبداً، ولا يرتفعان أبداً، يذكران بعظمة خالقهما وآلائه ونعمه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (٦٢)} [الفرقان: ٦٢].
وهوسبحانه الذي يأتي بالليل بعد النهار، وبالنهار بعد الليل، ويزيد في أحدهما ما ينقصه في الآخر وبالعكس، ويرتب على ذلك قيام الفصول، ومصالح الليل والنهار، التي تتم بها مصالح العباد: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١)} [الحج: ٦١].
إن السكون بالليل ضرورة لكل حي، ولا بد من فترة من الظلام تسكن فيه الخلايا الحية، ولا يكفي مجرد النوم لتوفير هذا السكون، بل لا بد من ليل، ولا بدَّ من ظلام، فالخلية الحية التي تتعرض لضوء مستمر تجهد ثم تتلف، لأنها لم تتمتع بفترة من السكون والظلام.
ونوم الإنسان انقطاع عن النشاط والإدراك، وهو سر من أسرار تكوين الحي، لا