يعلمه إلامن خلق هذ الحي، وأودعه ذلك السر، وجعل حياته متوقفة عليه.
وما من حي يطيق أن يظل من غير نوم، فالنوم ضرورة لكل إنسان، وسر من أسرار القادر الحكيم، ونعمة من نعم الله على عباده: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣)} [الروم: ٢٣].
والله حكيم عليم جعل حركة الكون، موافقة لحركة الأحياء، فكما أودع الإنسان سر النوم والسبات بعد العمل والنشاط، فكذلك أودع الكون ظاهرة الليل، ليكون لباساً ساتراً يتم فيه السبات والانزواء، وظاهرة النهار، ليكون معاشاً تتم فيه الحركة والنشاط كما قال سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠)} [آل عمران: ١٩٠].
وقد خلق الله عزَّ وجلَّ السموات والأرض بالحق، لتكون صالحة ومجهزة لحياة هذا الجنس البشري كما قال سبحانه: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤)} [العنكبوت: ٤٤].
وكما جهز الخالق هذه السموات وهذه الأرض بما يصلح لحياة هذا الإنسان، جهز كذلك هذا الإنسان باستعدادات وطاقات، وبنى فطرته على معرفته، وترك له جانباً اختيارياً في حياته، يملك معه أن يتجه إلى الهدى، فيعينه الله عليه ويهديه، أو أن يتجه إلى الضلال، فيمد الله له فيه، وترك الناس يعملون بعد إرسال الرسل إليهم، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً.
يبلوهم لا للعلم فهو يعلم كل شيء، ولكن يبلوهم ليظهر المكنون من أفعالهم، فيتلقوا جزاءهم عليها كما اقتضت إرادة الله وعدله.
فسبحان الذي خلق كل شيء وقدره تقديراً:
خلق الأرض وما فيها .. وخلق السماء ورفعها بلا عمد .. وأمسكها أن تقع على الأرض إلا بإذنه .. وخلق الفلك العظيم الذي لا تبدو له حدود معروفة .. والذي