للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولولا إمساك الرب تعالى للماء بقدرته، لطفح على الأرض وعلاها كلها، وهذا طبع الماء، ولكن الذي خلقه وطبعه حبسه وقهره.

وخلق الله عزَّ وجلَّ في البحار أجناساً مختلفة من الحيوانات، لها أشكال ومقادير وألوان، ولها منافع ومضار، حتى إن فيها حيواناً كالجبل لا يقوم له شيء، وما من صنف من أصناف حيوان البر إلا وفي البحر مثله غالباً، وفيه أجناس كثيرة لا يعهد لها نظير في البر أصلاً.

وقد خلق الله هذه البحار العظيمة، وجعلها داراً وسكناً ومسرحاً لما لا يحصيه إلا الله من الأسماك المختلفة الأشكال والأحجام:

فمنها الكبير والصغير .. والطويل والقصير .. والمسالم والمفترس .. وما يبيض وما يلد .. وما يعيش في أعلاه .. وما يعيش في أسفله .. وما يعيش في البحار .. وما يعيش في الأنهار.

والأسماك أمم وقبائل لا يعلمها إلا الله، ولا يحصيها إلا الذي خلقها، وتكفل بأرزاقها، وقام بأمرها، وأذن ببقائها.

فسبحانه من إله ما أرحمه، ومن رب ما أعظمه، ومن غني ما أكرمه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)} [الزمر: ٦].

وخلق الله الحكيم العليم السمك بدون قوائم، لأنه لا يحتاج إلى المشي، إذ كان مسكنه الماء الذي يسبح فيه.

وخلق له سبحانه عوضاً عن القوائم أجنحة شداداً، يقذف بها من جانبيه، وكسى جلده قشوراً متداخلة ليقيه من الآفات، وأعين بقوة الشم، لأن بصره ضعيف والماء يحجبه، فصار يشم الطعام من بعد فيقصده ويأكله.

وجعل سبحانه من فيه إلى صماخه منافذ، فهو يصب الماء فيها بفيه، ويرسله من صماخيه فيتروح بذلك، كما يأخذ الحيوان البري النسيم البارد بأنفه، ثم يرسله ليتروح به.

<<  <  ج: ص:  >  >>