فالماء للحيوان البحري كالهواء للحيوان البري، فهما بحران، أحدهما ألطف من الآخر، وفي كل بحر أمم تعيش فيه.
بحر الهواء يسبح فيه حيوان البر.
وبحر الماء يسبح فيه حيوان البحر.
ولو فارق أحد الصنفين بحره إلى البحر الآخر لمات، فكما يختنق الحيوان البري في الماء، يختنق كذلك الحيوان البحري في الهواء.
فسبحان من خلق هذا وهذا، وجعل لهذا عالم من الحيوان والنبات يناسبه، ولهذا عالم آخر يناسبه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣)} [الرعد: ٣].
والسمك أكثر الحيوانات نسلاً، ولهذا يوجد في السمكة الواحدة من البيض أعداد هائلة، وحكمة ذلك أن يتسع لما يتغذى به من أصناف الحيوان، فإن أكثرها يأكل السمك.
فالناس تأكل السمك .. والطير تأكله .. والحيوانات والسباع تأكله .. ودواب الأرض تأكله .. والسمك الكبار تأكله .. فكثَّره جل وعلا ليكون غذاء وطعاماً لهذه الأصناف التي لا يحصيها إلا الله.
والبحر قسمان:
علوي .. وسفلي.
فأما البحر السفلي فهو في الأرض، وهو نوعان: عذب، ومالح.
وأعظمها وأكبرها وأوسعها، هذا البحر الأعظم المحيط بجميع الأرض، وهو البحر المالح، ويغمر نحو ثلاثة أرباع الأرض، ويتصل بعضه ببعض، ويشغل اليابس الربع، وهذا اليابس كجزيرة صغيرة في بحر عظيم.
وأما البحرالعذب فيشمل الوديان والأنهار.
وقد خلق الله البحرين، وجعلهما يلتقيان، ولكنهما لا يبغيان، ولا يتجاوز كل منهما حده المقدر، ووظيفته المقسومة، وبينهما برزخ من صنع الله وآياته