وبحر عظيم من النور فيه ما لا يحصيه ولا يعلمه إلا الله من النعم والمنافع.
فسبحان من خلق هذه البحار العظيمة، وحفظها، وأودع فيها منافع للبلاد والعباد على مر الدهور.
والله تبارك وتعالى خلق هذا الجسم اللطيف من الهواء الذي يحركه ويخرقه أضعف المخلوقات، وأعطاه من الشدة والقوة ما يفلق به الأجسام الصلبة القوية، ويزعجها عن أماكنها، ويحملها على متنه في جو السماء.
فانظر إليه إذا وضع في قربة أو جلد وامتلأ به، ووضع على الماء، فإنه لا يرسب فيه، بينما ينغمس فيه الحديد الصلب.
فامتنع هذا اللطيف بأمر الله من قهر الماء له، وبهذه الحكمة أمسك الله السفن على وجه الماء مع ثقلها، لأن الهواء يمتنع من الغوص في الماء.
فتأمل قدرة العزيز الحكيم كيف جعل هذا الجسم العظيم الثقيل من السفن، يستجير بهذا اللطيف الخفيف من الهواء، حتى أمن من الغرق.
فسبحان من علق هذا المركب العظيم الثقيل، بهذا الهواء اللطيف من غير علاقة، ولا عقدة تشاهد: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣)} [الشورى: ٣٢، ٣٣].
والهواء بأمر الله جل جلاله، ينقل الأصوات العظيمة والبعيدة إلى مسامع الناس، فينتفعون بذلك، كالهاتف والجوال والإذاعة.
ولو بقيت هذه الأصوات في الهواء، كما تبقى الكلمات في القرطاس، لامتلأ العالم من الأصوات، ولعظم الضرر به، واحتاج الناس إلى محوه من الهواء.
فإن ما يلقى في الهواء من الأصوات والكلمات، أضعاف ما يودع في القرطاس.
فمن رحمة العزيز الحكيم أن جعل هذا الهواء قرطاساً خفيفاً يحمل الكلام بقدر ما يبلغ الحاجة ثم ينمحي بإذن ربه، فيعود جديداً نقياً لا شيء فيه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨)} [الشعراء: ٦٧، ٦٨].