فهي آية في هبوبها وسكونها .. وآية في شدتها ولينها .. وآية في حرها وبردها .. وآية في اختلاف طبائعها ومهابها وتنوع منافعها.
فللمطر ثمان رياح .. وللنبات ريح تلقحه .. وللسفن ريح تسيرها .. وللرحمة ريح بلا رياح .. وللعذاب ريح متعددة الصفات، إلى غير ذلك من أنواع الرياح التي لا يعلمها إلا الله.
واختلاف الرياح، واختلاف مهابها يدل على خالق مدبر، حكيم عليم، يصرفها كيف يشاء:
فيجعلها رخاء تارة .. وعاصفة تارة .. ورحمة تارة .. وعذاباً تارة .. وتارة يحيي بها الرزع والثمار .. وتارة يعطبها بها .. وتارة يسير بها السفن .. وتارة يغرقها بها .. وتارة ترطب الأبدان .. وتارة تذيبها، وتارة حارة .. وتارة باردة .. وتارة عقيماً .. وتارة لاقحة.
فسبحان من جعل في هذا الهواء الواحد هذه المنافع الكثيرة العجيبة.
والذي خلقها هو الذي يصرف مهابها في البر والبحر:
فتارة تهب من الشمال، وتارة من الجنوب، وتارة صبا، وتارة دبوراً.
وقد جعل الله مهب الشمال أرفع من مهب الجنوب، ولولا ذلك لبقي الماء واقفاً.
وهذه الرياح مع غاية قوتها ألطف شيء، وأقبل المخلوقات لكل كيفية، سريعة التأثر والتأثير، لطيفة المسار بين السماء والأرض.
ولشدة حاجة كل نبات وحيوان وإنسان إليها، يسرها الله في كل مكان، وصرفها وحده بين عباده، ورفع تحكم البشر فيها، فحيثما سار الإنسان أو الحيوان وجدها، وحيثما وجد نبات فهي مرافقة له.
ولو قطعت عن النبات والحيوان لهلك، كبحر الماء الذي لو فارقه السمك هلك.