يحبسها الله إذا شاء، ويرسلها إذا شاء، تحمل الأصوات إلى الأذن بأمر الله، وتحمل الرائحة إلى الأنف، وتحمل السحاب إلى الأرض الجرز.
وهي خلق عظيم من أقوى خلق الله، وهي من أعظم آيات الله الدالة على قدرته.
فسبحان من أنشأ الرياح بقدرته، وملأ بها الكون، وصرفها بحكمته، وسيرها بمشيئته، وسخرها بإرادته، وأرسلها بشرىً بين يدي رحمته، وجعلها سبباً لتمام نعمته، وسلطاناً على من شاء بعقوبته.
فهل عرف الله، وعرف قدرته وعظمته، من بارزه بالمعاصي، وبدل نعمه كفراً؟.
ألا ما أعظم الجهل بالله وأسمائه وصفاته، وما أعظم الغفلة عن آلائه وإحسانه؟: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦)} [الجاثية: ٦].
إن في خلق الرياح آية .. وفي هبوب الرياح آية .. وفي تصريف الرياح آية. فالرياح الساخنة هي المثيرة للبخار، والرياح الباردة هي المكثفة له حتى يصير سحاباً، ثم يسوق الله هذا السحاب بواسطة الرياح، ويصرفه كيف شاء بعلمه وحكمته، بين البلاد والعباد
والله تبارك وتعالى بيده هذا الملك العظيم، وله الخلق والأمر وحده لا شريك له، يصرف الرياح ليلاً ونهاراً، ويجعلها كما يشاء دافئة وباردة، ومنحرفة ومستقيمة، وعاصفة وهادئة، وعذاباً ورحمة.
ولهذه الرياح كلها أوامر من ربها لا تتعداها، ولها علاقة بالكائنات الأخرى، تتعاون معها في تحقيق مشيئة الله في خلق هذا الكون، وتصريفه كما أراد.
فمتى يتجول العقل البشري في هذا المعرض الإلهي المملوء بالآيات والعجائب، فله هنا عمل، وله في هذا الميدان مجال: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥)} [الجاثية: ٤، ٥].
ولما كانت الرياح مختلفة في مهابها وطبائعها، جعل الله لكل ريح ريحاً مقابلة لها، تكسر سورتها وحدتها، وتبقي لينها ورحمتها، فرياح الرحمة متعددة