وأمرهم بالسجود له تكريماً له، وإظهاراً لفضله، وامتحانهم بالسجود لمن زعموا أنه يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، فأسجدهم له، وأظهر فضله عليهم، لما أثنوا على أنفسهم، وذموا الخليفة الذي اصطفاه ربهم.
واستخرج سبحانه ما كان كامناً في نفس إبليس من الكبر والمعصية، والذي ظهر عند أمره بالسجود مع الملائكة لآدم.
فاستحق اللعنة والطرد والإبعاد على ما كان كامناً في نفسه، والله يعلم ذلك، ولكن لم يكن ليعاقبه على ما علمه، بل على وقوع معلومه، الذي لم تكن الملائكة تعلمه، فلما امتنع من السجود علموا خبثه.
وسبب معصية إبليس الاستكبار والإباء والكفر، وإنما ذكر تلك الشبهة تعنتاً، إذ ليس في أمره بالسجود لآدم ما يناقض الحكمة بوجه.
وشبهة إبليس الداحضة، أنه قال: إنه خلق من نار، وآدم خلق من طين، والنار خير من الطين، فهو خير من آدم، فكيف يخضع له.
فلما امتنع إبليس من السجود، وعصى ربه واستكبر، حطه الله من مرتبته العالية إلى أسفل سافلين، وأهبطه من الجنة، لأنها دار الطيبين الطاهرين، فلا تليق بأخبث خلق الله وأشرهم، فأهبط إلى الأرض ذليلاً مهاناً، جزاء على كبره وعجبه كما قال سبحانه: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣)} [الأعراف: ١٣].
وشبهة إبليس باطلة حساً وعقلاً وشرعاً.
فإن الطين والتراب خير من النار، فإن النار طبعها الفساد والإتلاف، والتراب طبعه النفع والإنبات، والنار طبعها الخفة والطيش، والتراب طبعه الرزانة والسكون، والتراب يخلق الله فيه أرزاق الحيوان ولباسهم ومساكنهم، بخلاف النار التي تحرق كل شيء، والتراب إذا وضع فيه الحب أخرجه أضعافاً كثيرة،