والأرض وصفها الله بالبركة، وأما النار فهي مذهبة للبركة، وأودع الله في الأرض من المنافع والأقوات، والثمار والأشجار، والمعادن والعيون، والنبات والحيوان وغيرها، ما لم يودع في النار شيئاً منه.
والنار وإن كان فيها بعض المنافع فالشر كامن فيها.
وقد استخرج الله من هذا الخليفة وذريته الأنبياء والرسل .. والعباد والعلماء .. والمجاهدين والمتصدقين .. والأولياء والمؤمنين، وعمر بهم الجنة، وميز الخبيث من ذريته من الطيب، وعمر بهم النار.
وقد خلق الله آدم عليه السلام في أحسن تقويم .. وأكمل صورة وأجملها .. وأكمل محاسنه الباطنة بالعلم والحلم والوقار .. وتولى ربه خلقه بيده .. فجاء في أحسن خلق .. وأجمل صورة .. طوله في السماء ستون ذراعاً .. قد ألبس رداء الجمال والحسن .. والمهابة والبهاء.
فرأت الملائكة منظراً لم يشاهدوا أحسن منه ولا أجمل، فوقعوا كلهم سجوداً بأمر ربهم عزَّ وجلَّ، إلا إبليس فإنه امتنع عن السجود حسداً كما قال سبحانه: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)} [البقرة: ٣٤].
والله سبحانه لكمال قدرته خلق خلقه أصنافاً:
فمنهم عقول بلا شهوات كالملائكة .. ومنهم شهوات بلا عقول كالحيوانات .. ومنهم من له عقل وشهوة كالإنس والجن .. ومنهم من لا عقل له ولا شهوة كباقي المخلوقات من جماد ونبات.
وقد اقتضت حكمة الله تفضيل بني آدم على كثير من خلقه، فميزهم الله وكرمهم بما شاء، وجعل عبوديتهم أكمل من عبودية غيرهم، فهي عبودية اختيارية، تزاحمها المعارضات والموانع والشهوات.
أما عبودية غيرهم من الملائكة فهي عبودية بلا معارض، إذ هم مجبولون عليها،