للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما جبلت الشمس على الإنارة.

والله تبارك وتعالى سبق في علمه أن يجعل في الأرض خليفة، وأعلم بذلك ملائكته، وأسكنه في الجنة، ليربيه ويريه دار النعيم التي أعدها الله له ولأولاده.

فأمره الله ونهاه، وأعلمه بعدوه وحذره منه، ووفر له كل ما يحتاجه في الجنة، وأمره بالأكل من كل شيء في الجنة، ونهاه عن الأكل من شجرة واحدة، وخلى بينه وبين عدوه إبليس، ليمتحن إيمانه وطاعته قبل نزوله إلى ميدان العمل، فوسوس إليه الشيطان بالأكل، فنسي وغلبته الشهوة فأكل.

وخلى بينه وبين نفسه حتى عصى الله، كما قال سبحانه: {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦)} [البقرة: ٣٥، ٣٦].

ثم ألهمه الله التوبة فتاب، وتاب الله عليه، وبعد أن كملت تربيته، وعرف عدوه، وعاش في داره، أهبطه الله عزَّ وجلَّ من دار النعيم إلى دار الابتلاء والعمل، ليعود إليها ومن آمن من ذريته على أكمل الوجوه.

فكم لله من حكمة في إهباط آدم إلى الأرض، تعجز الألسن عن وصفها، وتعجز العقول عن إدراكها والإحاطة بها:

منها أن الله أنزل آدم ليكون إيمانه وإيمان ذريته تاماً، والإيمان قول وعمل، وجهاد وصبر، وبذل وترك، وهذا إنما يكون في دار الامتحان لا في جنة النعيم.

ومنها أن الله خلق آدم وذريته ليستعمرهم في الأرض، ويجعلهم خلفاء الأرض.

فخلقهم سبحانه ليأمرهم وينهاهم ويبتليهم، لينالوا بالطاعة أفضل ثوابه، فإذا وافوا دار النعيم بعد التعب والكد، عرفوا قدر تلك الدار، وهو أكمل من نعيم من خلق في الجنة من الحور والولدان.

ومنها أن الله عزَّ وجلَّ أراد أن يتخذ من ذرية آدم رسلاً وأنبياء وشهداء، يحبهم ويحبونه، وينزل عليهم كتبه، يؤثرون محابه ومراضيه على شهواتهم وما

<<  <  ج: ص:  >  >>