إن الإنسان إذا نظر إلى غذائه، في مدخله ومستقره ومخرجه، رأى فيه العبر والعجائب:
كيف جعل الله له آلة يتناوله بها، ثم باباً يدخل منه، ثم آلة تقطعه صغاراً، ثم طاحون يطحنه، ثم أعين بماء يعجنه، ثم جعل له مجرى وطريقاً إلى جانب النفس، ينزل هذا، ويصعد هذا.
فإذا وصل إلى المعدة، التي هي خزانته، ولها بابان، باب أعلى يدخل منه الطعام، وباب أسفل يخرج منه ثفله.
والباب الأعلى أوسع من الأسفل، والأسفل منطبق دائماً، فإذا انتهى الهضم، انفتح ذلك الباب لخروج الفضلات.
وقد أحاط الله المعدة من داخلها وخارجها بحرارة نارية، ربما تزيد على حرارة النار، ينضج بها الطعام فيها، كما ينضج الطعام في القدر بالنار.
فإذا أذابته المعدة وطبخته، علا صفوه إلى فوق، ورسا كدره إلى أسفل، ومن المعدة عروق متصلة بسائر البدن، يبعث فيها نصيب كل عضو وقوامه، بحسب استعداده وقبوله.
فيبعث ألطف ما يتولد من الغذاء وأخفه وأشرفه إلى الأرواح.
وينبعث إلى الدماغ منه ما يناسبه في اللطافة والاعتدال.
وينبعث منه إلى العظام والشعر والأظافر ما يغذيها ويحفظها.
وبنبعث من الباقي إلى بقية الأعضاء كل بحسبه.
ولما كان الغذاء يستحيل في المعدة إلى دم، ومرة سوداء، ومرة صفراء، وبلغم، اقتضت حكمة العزيز الحكيم أن جعل لكل واحد من هذه الأخلاط مصرفاً ينصب إليه ويجتمع فيه، ولا ينبعث إلى الأعضاء الشريفة إلا أكمله.
فوضع سبحانه المرارة مصباً للمرة الصفراء .. ووضع الطحال مقراً للمرة السوداء .. والكبد تمتص أشرف ما في ذلك وهو الدم، ثم تصفيه وتبعثه إلى