للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميع البدن من عرق واحد، ينقسم إلى مجار كثيرة، يوصل إلى كل واحد من العروق والأعصاب والعظام والشعور ما يكون به قوامه.

فسبحان الملك الحق ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة.

وإذا كان هذا صنعه في قطرة ماء مهين، فكيف صنعه في ملكوت السموات والأرض؟.

وكيف شأن كرسيه وعرشه العظيم؟.

وكم تكون عظمة الجنة التي خلقها؟ .. والنار التي سعرها؟

وكيف عظمته وجلاله وكبرياؤه؟: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٦٤)} [غافر: ٦٤].

ومن عجائب خلق الإنسان، ما خلق الله فيه من الحواس الخمس التي هي آلة الإدراك، ورتبها بحكمته سبحانه:

فأولها حاسة اللمس، وهو أول حس يخلق للحيوان، وأقل درجاته أن يحس بما يلاصقه، وخلق الله للبعيد حساً آخر تدرك به ما بعد عنك، فخلق لك الشم تدرك به الرائحة من بعد.

ولكن لا تدري من أي ناحية جاءت الرائحة، فخلق الله لك البصر، لتدرك به ما بعد عنك، وتدرك جهته فتقصدها بعينها، إلا أنه لو لم يخلق لك إلا هذا لكنت ناقصاً، إذ لا تدرك بذلك ما وراء الجدار والحجاب، فقد يقصدك عدو بينك وبينه حجاب، وقرب منك قبل أن يكشف الحجاب، فتعجز عن الهرب.

فخلق الله سبحانه السمع، حتى تدرك به الأصوات من وراء الحجرات، عند جريان الحركات.

ولا يكفي ذلك لو لم يخلق لك حس الذوق، الذي تعلم به ما يوافقك، وما يضرك، وتعلم به الطعوم وأحوالها من حلو وحامض، ومر ومالح، وحار وبارد.

ثم أكرمك الله تبارك وتعالى بصفة أخرى هي أشرف من الكل، وهو العقل الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>