كذلك وضع الله في الآدمي ودائعَ، فإذا اجتهدنا عليها بالمنهج الصحيح ظهرت هذه الودائع، وخدمت الدين، وإلا نجتهد عليها يضيع هذا الاستعداد بين شهوات البهائم، أو غضب السباع، أو كيد الشياطين.
فكل جوارح الإنسان خلقت للعبادة، وخدمة الدين، والقيام بالدين.
وقد خلق الله اللسان، وجعل فيه استعداد الكلام، حيث يحدث الصوت من هواء ساذج، يخرج من الصدر حتى يصل إلى الحلق واللسان، والشفتين والأسنان، فيحدث منه الكلام والصوت.
نظمه ونثره .. وخطبه ومواعظه .. لينه وخشنه .. والضحك والبكاء .. والترغيب والترهيب .. والسؤال والجواب .. والإنذار والتبشير، والنداء والدعاء .. والحمد والذم .. والتسبيح والاستغفار .. وغير ذلك مما لا يمكن حصره من أنواع الكلام الذي ينطق به اللسان بإذن الله.
فسبحان القدير الذي أخرج كل ذلك من هواء ساذج يخرج من الصدر، ولا يدرى ما يراد به، ولا أين ينتهي، ولا أين مستقره، فهو بحر من الهواء يقلبه الله إلى بحر من الكلمات والجمل التي تحمل المعاني.
وأعجب من هذا اختلاف الألسنة واللغات والأصوات.
فيجتمع خلق من الناس من بلاد شتى، وكل يتكلم بلغته، ولا يدري كل منهم ما يقول الآخر، مع أن الهواء واحد، واللسان واحد، والحلق واحد، والأضراس واحدة، والشفتان واحدة، إن في ذلك لآية.