للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتقوى لحكمة الابتلاء.

ثم خص الله سبحانه بالفلاح من زكاها فنماها وعلاها بطاعة الله فذلك المتقي.

ثم حكم بالشقاء على من دساها، فأخفاها وحقرها وصغرها وقمعها بالفجور فذلك الشقي.

فالطاعة والبر تكبر النفس وتعزها، وتعليها حتى تصير أشرف شيء، وأكبره وأزكاه وأعلاه.

والمعصية تذل النفس وتصغرها وتحقرها.

فما أصغر النفس مثل معصية الله، وما كبرها وشرفها ورفعها مثل طاعة الله.

والبدن كالقالب بالنسبة للنفس، وهي تأخذ من بدنها صورة تتميز بها عن غيرها، ويكتسب البدن الطيب والخبث من طيب النفس وخبثها، وتكتسب النفس الطيب والخبث من طيب البدن وخبثه.

ولهذا يقال لها عند مفارقة البدن: «أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إلى مَغْفِرَةٍ مِنَ الله وَرِضْوَانٍ» أخرجه أحمد وأبو داود (١).

والأرواح جنود مجندة، وأنواع مختلفة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الأرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» متفق عليه (٢).

وتميز الروح عن الروح بصفاتها أعظم من تميز البدن عن البدن بصفاته.

فالمؤمن والكافر قد يتشابهان كثيراً، وبين روحيهما أعظم التباين، وقلَّ أن ترى بدناً قبيحاً إلا وجدته مركباً على نفس تشاكله، وقل أن ترى آفة في بدن، إلا وفي روح صاحبه آفة تناسبها.

وقل أن ترى شكلاً جميلاً، وصورة حسنة، إلا وجدت الروح المتعلقة به مناسبة له، حسنة مثله.


(١) صحيح: أخرجه أحمد برقم (١٨٥٣٤)، وهذا لفظه.
وأخرجه أبو داود برقم (٤٧٥٣)، صحيح سنن أبي داود رقم (٣٩٧٩).
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٣٣٩)، ومسلم برقم (٢٦٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>