للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمة منه ورحمة بهم، لأنهم لا يطيقون رؤيتها وسماعها.

والعبد أضعف بصراً وسمعاً وتحملاً من أن يثبت لمشاهدة عذاب القبر.

وإذا كان العبد يستطيع أن يوسع القبر، ويستره عن الناس، فلا يعلمون منه إلا ما شاء، فكيف يعجز رب العالمين أن يوسعه على من يشاء، ويضيقه على من يشاء، ويستر ذلك عمن يشاء، ويظهره لمن يشاء؟.

والسر في ذلك كله أن النار والخضرة، والضيق والسعة في القبر ليست من المعهود في هذا العالم، فلا يمكننا إدراكه.

والله سبحانه إنما أشهد بني آدم في هذه الدار ما كان فيها ومنها، فأما أمر الآخرة، فقد أسبل عليه الغطاء، ليكون الإيمان به والإقرار سبباً لنجاتهم وسعادتهم.

ولا يمتنع على من هو على كل شيء قدير، أن يرد الروح إلى المصلوب والغريق والحريق، ونحن لا نشعر بها.

وكذلك من تفرقت أجزاؤه لا يمتنع على الذي لا يعجزه شيء، أن يجعل للروح اتصالاً بتلك الأجزاء على تباعد ما بينها وقربه، فإنه سبحانه جعل في الجمادات شعوراً، فهي تسبح بحمد ربها، وتسقط الحجارة من خشيته سبحانه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤)} [الإسراء: ٤٤].

وعذاب القبر ونعيمه اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة، وهذا البرزخ يشرف أهله فيه على الدنيا والآخرة.

وسمي عذاب القبر ونعيمه، وأنه روضة أو حفرة، باعتبار غالب الخلق، وإلا فإن للغريق والحريق والمصلوب، ومن أكلته السباع والطيور، من عذاب القبر ونعيمه ما للمقبور.

ولو عُلق الميت على رؤوس الأشجار في مهاب الرياح، لأصاب جسده نصيبه من عذاب القبر ونعيمه بقدرة العزيز العليم، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

والله تبارك وتعالى جعل لابن آدم معادين وبعثين: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>