فالبعث الأول: مفارقة الروح للبدن، ومصيرها إلى دار الجزاء الأولى في القبر، وهو الحشر الأول.
والبعث الثاني: يوم يرد الله الأرواح إلى أجسادها، ويبعثها من قبورها إلى مستقرها في الجنة أو النار، وهو الحشر الثاني.
فالأول برزخ بين الدنيا والآخرة، يتنعم فيه المطيعون، ويعذب العاصون، من حين موتهم إلى يوم يبعثون، كما قال سبحانه: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠)} [المؤمنون: ١٠٠].
والثاني مكان كمال النعيم، وكمال العذاب، في الجنة أو النار.
فجعلهما الله داري جزاء المحسن والمسيء، ولكن توفية الجزاء إنما يكون يوم المعاد الثاني في دار القرار كما قال سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (١٨٥)} [آل عمران: ١٨٥].
وقال سبحانه عن الكفار: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦)} [غافر: ٤٦].
وقد اقتضت حكمة الله وعدله، وأوجبت أسماؤه الحسنى وكماله، تنعيم أبدان أوليائه وأرواحهم، وتعذيب أبدان أعدائه وأرواحهم، ولما كانت هذه الدار دار تكليف وامتحان لا دار جزاء لم يظهر فيها ذلك جلياً.
وأما البرزخ فأول دار جزاء، وأول منازل الآخرة، فظهر فيه من ذلك ما يليق بتلك الدار، وتقتضي الحكمة إظهاره.
فإذا كان يوم القيامة الكبرى وفى الله أهل الطاعة وأهل المعصية ما يستحقونه من نعيم الأرواح والأبدان وعذابهما.
فعذاب البرزخ ونعيمه أول عذاب الآخرة ونعيمها، وهو مشتق منه، وواصل إلى أهل البرزخ هناك، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في المؤمن إذا مات وقبر: «فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي