قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَعَا إلى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أجُورِهِمْ شيئاً، وَمَنْ دَعَا إلى ضَلالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شيئاً» أخرجه مسلم (١).
فكم يكون في صحيفة هذا من المسلمين والمصلين، والدعاة والمجاهدين، والعلماء والمعلمين، والصائمين والمتصدقين، والحجاج والمعتمرين؟.
والحياة الدنيا لعب ولهو، حين لا يكون وراءها غاية أكرم وأبقى، حين يعيشها المرء لذاتها، مقطوعة عن منهج الله فيها.
ذلك المنهج الرباني الذي يجعلها مزرعة للآخرة، ويجعل من أحسن الخلافة فيها مستحقاً لوراثة الدار الآخرة الباقية كما قال سبحانه: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (٣٦)} [محمد: ٣٦].
فالإيمان والتقوى والعمل بمنهج الله في الحياة الدنيا .. هو الذي يجعلها ميداناً فسيحاً لكسب الأجور .. ويخرجها عن أن تكون لعباً ولهواً .. ويطبعها بطابع الجد .. ويرفعها عن مستوى القاع الحيواني .. إلى مستوى الخلافة الراشدة المتصلة بالملأ الأعلى.
وحينئذ لا يكون ما يبذله المؤمن المتقي من عرض هذه الحياة الدنيا ضائعَا ولا مقطوعاً.
فعن هذا البذل والإنفاق ينشأ الأجر الأوفى في الدار الأبقى.
والله سبحانه لا يسأل الناس أن يبذلوا أموالهم كلها، ولا يشق عليهم في فرائضه وسننه، وهو لا يكلف نفساً إلا وسعها، وهو أرحم بهم من أن يكلفهم بذلها كلها فتضيق صدورهم، وتظهر أضغانهم: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (٣٧)} [محمد: ٣٧].
والله يريد منا الإنفاق في سبيله، وأجره عائد على المنفق، فالذين يبخلون على