إن الله تبارك وتعالى خلق الدنيا والآخرة .. ليعرف العباد عظمته وجلاله .. ويعرفوا آلاءه وإحسانه .. وجعل الإنسان إن اتقى الله وآمن به سيداً في الدنيا والآخرة .. وإن كفر به وعصاه عاش ذليلاً مهاناً في الدنيا والآخرة.
إن اختيار الله لهذه الأمة لحمل دعوته تكريم وتشريف، ومن وعطاء، فإذا لم يكونوا أهلاً لهذا الفضل، ولم ينهضوا بتكاليف هذه المكانة، وإذا لم يدركوا قيمة ما أعطوا، فإن الله يسترد ما وهب، ويختار غيرهم لهذه المنة ممن يقدِّر فضل الله، وعظيم نعمته.
إنها لنذارة عظيمة رهيبة .. لمن ذاق حلاوة الإيمان .. وأحس بكرامته على الله .. وبمقامه في هذا الكون .. وهو يحمل هذا السر الإلهي العظيم .. ويمشي في الأرض بسلطان الله في قلبه .. ونور الإيمان في كيانه .. ويذهب ويجيء وعليه شارة مولاه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣)} [فصلت: ٣٣].
إن الإيمان أغلى شيء في حياة الإنسان، وهو هبة عظيمة من الله لعباده، لا يعدلها في هذا الوجود شيء.
الحياة رخيصة، والمال زهيد، حين يوضع الإيمان في كفة، ويوضع في الكفة الأخرى كل ما عداه.
وما يطيق الحياة وما يطعمها إنسان عرف حقيقة الإيمان وعاش بها، ثم تسلب منه، ويطرد وتوصد دونه الأبواب.
بل إن الحياة لتغدو جحيماً لا يطاق عند من يتصل بربه الذي بيده كل شيء، ثم توصد دونه الأبواب، ويطبق دونه الحجاب: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ