للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَكِيمٌ (٨)} [الحجرات: ٧، ٨].

فالإيمان محله القلب، وإذا دخل فيه جاء بكل خير، وإذا لم يدخل الإيمان في القلب فلا فائدة من العمل معه، فالمنافقون كان إيمانهم بألسنتهم فلم ينفعهم، وكانوا يصلون مع المسلمين فلم ينفعهم ذلك، بل هم في الدرك الأسفل من النار: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح: ١١].

ولفظ الإيمان شيء .. وصورة الإيمان شيء .. وعلم الإيمان شيء .. لكن حقيقة الإيمان شيء أعظم من هذا كله.

وكل شيء يصنع في مكان، ومكان تجريبه في مكان آخر كالسيارة والقلم ونحوهما، وكذلك علم الإيمان له مكان، ومكان معرفته وتجريبه له ميدان آخر.

وذلك لا يتم ولا يحصل إلا بالمجاهدة والتضحية بكل شيء من أجل الحصول عليه، فهو أغلى شيء في الدنيا والآخرة.

وطريق الإيمان تعب فيه آدم .. وناح لأجله نوح .. ورمي في النار الخليل .. واضطجع للذبح إسماعيل .. وبيع وسجن يوسف .. ونشر بالمنشار زكريا .. وذبح بالسكين يحيى .. وقاسى الضر أيوب .. وزاد في البكاء داود .. وسار مع الوحش عيسى .. وعالج الفقر والأذى محمد - صلى الله عليه وسلم -.

وهؤلاء هم شموس التوحيد والإيمان .. ونجوم الهدى .. وجبال الصبر واليقين.

فالإيمان أصل الدين وقاعدته التي يبنى عليها البناء، وهو بمنزلة تسوية الأرض وسقيها، أما الأمور الباقية في الدين فهي بمنزلة الأشجار والحبوب التي يمكن زرعها وغرسها في هذه الأرض.

فهي تنمو بقدر خصوبة الأرض واستعدادها كما أنها تثمر بقدر الجهود المبذولة في تمهيد الأرض وسقيها.

فالإيمان هو أرض الدين .. والدعوة نبتها وطلعها .. والعبادة ثمرتها وزينتها .. والعلم يرويها ويسقيها .. والجنة ورضى الرب غايتها.

ولا يمكن أن نحصل على حقيقة الإيمان، إلا إذا تيقنا أن جميع المخلوقات في

<<  <  ج: ص:  >  >>