ومن كان لله كان الله له، ومن عرف الله لم يكن شيء أحب إليه منه، ولم تبق له رغبة فيما سواه إلا فيما يقربه إليه، ويعينه على سفره إليه.
وكلما ازدادت معرفة العبد بربه ازدادت هيبته له، وخشيته إياه كما قال سبحانه:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر: ٢٨].
وأعقل الخلق من آمن بالله ورسوله ورغب فيما عند الله، وأسفههم من رغب عن ذلك كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠)} [البقرة: ١٣٠].
ومن رغب عن الله ونسيه فعقوبته أن ينساه الله، وينسيه حظ نفسه كما قال سبحانه: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (١٩)} [الحشر: ١٩].
وهذا تمام العدل من الرب بأن نسيهم كما نسوه، وأنساهم حظوظ أنفسهم ونعيمها وكمالها، وأسباب لذتها وفرحها، عقوبة لهم على نسيان المحسن إليهم بصنوف النعم، المتحبب إليهم بآلائه وإحسانه.
فقابلوا ذلك بنسيان ذكره، والإعراض عن شكره، فعدل فيهم: بأن أنساهم مصالح أنفسهم فعطلوها .. وليس بعد تعطيل مصلحة النفس إلا الوقوع فيما تفسد به .. وتتألم بفوته غاية الألم.
وإحسان الرب إلى الخلق لا يحيط به أحد، وأعظم إحسان الرب إلى عباده إنزال الوحي عليهم، وهدايتهم إلى الإيمان والتوحيد.
وأعظم إحسان العبد إحسان العبودية لربه، بأن يعبده كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه.
وإحسان العبد له ثلاث حالات:
الأولى: إحسان إلى النفس بحملها على طاعة الله، والمسارعة إلى الخيرات، والأعمال الصالحة.
الثانية: إحسان في عبادة الله بأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.