السماء، بالأسباب وبدون الأسباب، وبضد الأسباب، فقد أعطى الله بني إسرائيل مع موسى - صلى الله عليه وسلم - الماء من الحجر من الأرض، وأعطاهم المن والسلوى من السماء، ورزق مريم طعاماً بلا شجر، وابناً بلا ذكر، وأخرج النبات من الأرض، وأظهر الثمر من الشجر، وأخرج الحليب من الضرع، والنور من الشمس، والكلام من اللسان.
وهذا كله من الله وحده لا شريك له، وهذه المخلوقات مظاهر لقدرة الله، فلا الأرض تعطي، ولا السماء تعطي، وإنما المعطي والرازق واحد لا شريك له.
فالخالق واحد، والمعطي واحد، وأماكن التسليم والنفع متعددة، ومظاهر القدرة مختلفة: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)} [التوبة: ٣١].
فالمعطي والمانع، والنافع والضار، والمعز والمذل هو الله وحده لا شريك له.
فالطعام مخلوق وقد أمر الله بأكله، وجعله سبباً للحياة، ولكن ليس بيده شيء فهو لا ينفع ولا يضر إلا بإذن الله، يأكله الصغير فيكبر وينمو، ويأكله الكبير فيضعف وينقص.
والماء مخلوق وقد أمرنا الله بشربه، وجعله سبباً للحياة، ولكن ليس بيده شيء فهو لا ينفع ولا يضر إلا بأمر الله، يشربه الإنسان فيحيا، وأحياناً يشربه فيموت، ومن طبيعته الإغراق، ولكنه مملوك لله أمره الله فانفتح لموسى ومن آمن معه، وأغرق فرعون وقومه في آن واحد، وحمل موسى وليداً حتى أدخله في قصر فرعون، وأغرق كفار قوم نوح قاطبة.
والنار مخلوقة وقد جعلها الله سبباً لمصالح العباد، ومن طبيعتها الإحراق، ولكنها لا تنفع ولا تضر إلا بإذن الله، فهي مملوكة مدبرة.
إن جاءها أمر الإحراق أحرقت، وإن جاءها أمر الحفاظة أطاعت وحفظت، كما جعل الله النار برداً وسلاماً على إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (٦٩)} [الأنبياء: ٦٩].