وما لم يشأ لم يكن كما قال سبحانه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢)} [الأنعام: ١١٢].
الرابعة: الخلق، بأن يؤمن العبد أن الله خالق كل شيء، ومدبره ومالكه، حتى فعل المخلوق، لأن فعل المخلوق من صفاته، وهو وصفاته مخلوقان كما قال سبحانه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢)} [الزمر: ٦٢].
وينبغي أن يعلم الإنسان أن القدر له كالطبيب مع المريض.
فإن قدم إليه الطعام فرح وقال: لولا أنه علم أن الغذاء ينفعني ما قدمه.
وإن منعه الطعام فرح وقال: لولا أنه علم أن الغذاء يؤذيني لما منعني.
وهذا غاية اللطف من الله تعالى، ومن لم يعتقد هذا لم يصح توكله على الله عزَّ وجلَّ.
والدعاء لا يناقض الرضا بالقدر، فقد تعبدنا الله به، وأمرنا به.
وأمرنا به، وإنكار المعاصي وعدم الرضا بها قد تعبدنا الله به، وذم الراضي به.
فإن قيل: وردت الأخبار بالرضا بقضاء الله تعالى، والمعاصي بقضائه فكراهتها كراهة لقضائه؟.
وجواب هذا أن يقال: المعاصي لها وجهان:
الأول: وجه إلى الله تعالى من حيث أنها اختياره وإرادته، فنرضى بها من هذا الوجه، تسليماً للملك إلى مالك الملك سبحانه.
الثاني: وجه إلى العبد، من حيث أنها كسبه ووصفه، وعلامة لكونه ممقوتاً عند الله، بغيضاً عنده، حيث سلط عليه أسباب البعد والمقت، فهو من هذا الوجه منكر ومذموم.
والإيمان بالقدر على درجتين:
الأولى: الإيمان بأن الله سبق في علمه ما يعمله العباد من خير وشر، وطاعة ومعصية، قبل خلقهم وإيجادهم، وأهل الجنة منهم، وأهل النار منهم، وأعد لهم الثواب والعقاب قبل خلقهم، وكتب ذلك عنده، وأن أعمال العباد تجري على