فما أعظم الله، وما أعظم قدرته، وما أوسع ملكه، وما أشمل تدبيره، وما أعظم بطشه بمن عصاه.
إن هذا الفضاء الشاسع الرهيب مملوء بالكواكب والنجوم، لا يختل مدار نجم فيه بمقدار شعرة، ولا يختل حساب السير والتوازن والتناسق في حجم ولا حركة: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)} [يس: ٤٠].
وسبحان الذي خلق الخلق، ويدبر الأمر في السموات والأرض، ولا يشغله شأن عن شأن، ينفذ أقداره وتدابيره في خلقه، في أوقاتها التي اقتضتها حكمته، وهي أحكامه الدينية التي هي الأمر والنهي، وأحكامه القدرية التي يجريها على عباده مدة مقامهم في هذه الدار: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩)} [الرحمن: ٢٩].
إن هذا الوجود الكبير الذي لا تعرف له حدود، ما نبصره وما لا نبصره، العالم العلوي، والعالم السفلي، كل منوط بقدر الله سبحانه، متعلق بمشيئته، وهو قائم بتدبيره سبحانه الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم.
وهذا التدبير يتناول الوجود كله جملة، ويتناول كل فرد فيه على حدة، ويتناول كل عضو، ويتناول كل خلية، ويتناول كل ذرة، ويعطي كل شيء خلقه كما يعطيه وظيفته .. ثم يراقبه وهو يؤدي وظيفته: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (٥٢)} [الأحزاب: ٥٢].
هذا التدبير والتصريف، وهذه المراقبة والمتابعة، التي تتبع كل ما ينبت وما يسقط من ورقة، وما يكمن من حبة في ظلمات الأرض، وكل رطب ويابس، وكل حيوان وطائر.
تدبير يتبع الطيور في جوها .. ويتبع الأسماك في بحارها .. ويتبع الحيوانات في