للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشقت عليه، فهذه الرحمة حقاً، فأرحم الناس بك من أخذ بك إلى ما يصلحك وإن كرهت ذلك نفسك.

فمن رحمة الأب بولده أن يكرهه على التأدب بالعلم والعمل، ويمنعه شهواته التي تضره، ومتى أهمل ولده كان لقلة رحمته به، وإن ظن أنه يرحمه ويرفهه، فهذه رحمة مقرونة بجهل، ولهذا كان من تمام رحمة أرحم الراحمين تسليط أنواع البلاء على العبد، فإنه سبحانه أعلم بمصلحته.

فابتلاؤه له وامتحانه، ومنعه من كثير من أغراضه وشهواته، من كمال رحمته به، ولكن العبد لجهله وظلمه يتهم ربه بابتلائه، ولا يعلم أنه محسن إليه بابتلائه وامتحانه.

فما أصاب العبد فهو من تمام رحمة الله به، لا من بخله عليه، كيف وهو سبحانه الجواد الكريم، الذي له الجود كله، وجود جميع الخلائق في جنب جوده أقل من ذرة في جبال الدنيا ورمالها، بل جود جميع الخلق كلهم من جوده عزَّ وجلَّ.

فمن رحمة الله عزَّ وجلَّ بعباده ابتلاؤهم بالأوامر والنواهي رحمة لهم وحمية، لا حاجة منه سبحانه إليهم بما أمرهم به، فهو الغني الحميد، ولا بخلاً منه عليهم بما نهاهم عنه، فهو الجواد الكريم، وهو العليم الخبير.

ومن رحمته سبحانه بهم أن نغَّص عليهم الدنيا وكدرها، لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا بها، كي يرغبوا في النعيم المقيم في دار جواره.

فساقهم العليم الخبير إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليعطيهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)} [البقرة: ١٥٥ - ١٥٧].

ومن رحمته سبحانه بعباده أن حذرهم نفسه، لئلا يغتروا به فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به، من الشرك والمعاصي والتقصير، كما قال سبحانه:

<<  <  ج: ص:  >  >>