للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله بكل شيء عليم، وفي علم الله لا شيء ماض، ولا شيء حاضر، ولا شيء قادم، فتلك الفواصل الزمنية إنما هي معالم لنا نحن أبناء الفناء، نرى بها حدود الأشياء، فنحن لا ندرك الأشياء بغير حدود تميزها، حدود من الزمان، وحدود من المكان، وحدود من الأحجام.

أما الله سبحانه فهو كامل الذات والصفات، وهو الحق الذي يطلع جملةً على هذا الوجود بلا حدود ولا قيود، ولا يند عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} [الملك: ١٤].

وهذا الكون وما يقع فيه من أحداث وأطوار منذ نشأته إلى نهايته، كائن في علم الله جملة، لا حدود فيه ولا فواصل من زمان أو مكان.

ومعرفة القلب بهذه المقادير التي قدرها الله يسكب فيه الطمأنينة والسكون عند استقبال الأحداث خيرها وشرها:

فلا تجزع الجزع الذي تطير به شعاعاً، وتذهب معه حسرات عند الضراء، ولا تفرح الفرح الذي تستطار به، وتفقد الاتزان عند السراء، فكل شيء لا يكون إلا بأمر الله ومشيئته: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣)} [الحديد: ٢٣].

إن الإنسان ضعيف، يجزع وتستخفه الأحداث حين ينفصل بذاته عن هذا الوجود، ويتعامل مع الأحداث كأنها شيء عارض يصادم وجوده الصغير.

فأما حين يستقر في تصوره وشعوره أنه هو والأحداث التي تمر به وتمر بغيره والأرض كلها ذرات في جسم كبير، هو هذا الوجود، وأن هذه الذرات كائنة في موضعها، في الصنع الكامل الدقيق، لازم بعضها البعض، وأن ذلك كله مقدر مرسوم معلوم في علم الله المكنون.

حين يستقر هذا في تصور الإنسان وشعوره فإنه يحس بالراحة والطمأنينة لمواقع القدر كلها على السواء.

فلا يأسى على فائت أسىً يؤلمه ويزلزله، ولا يفرح بحاصل فرحاً يستخفه

<<  <  ج: ص:  >  >>