ولكن يمضي مع قدر الله في طواعية ورضى، رضا العارف المدرك أن ما هو كائن هو الذي ينبغي أن يكون.
وهذه درجة عالية قد لا يستطيعها ولا يصل إليها إلا القليلون من البشر.
فأما سائر المؤمنين فالمطلوب منهم ألا يخرجهم الألم للضراء ولا الفرح بالسراء عن دائرة التوجه إلى الله، وذكره بهذه وبتلك.
ولن يجد أحد طعم الأيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، أن ما كان لا بد أن يكون.
ومن يتوكل على الله في أمر دينه ودنياه ويفعل ما أمره الله به فهو حسبه وكافيه، لأنه الغني القوي العزيز، ولكن ربما أن الحكمة الإلهية اقتضت تأخير طلبه إلى الوقت المناسب له، فأمر الله لا بد من نفوذه، ولكنْ له وقت مقدر لا يتعداه ولا يقصر عنه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (٣)} [الطلاق: ٢، ٣].
وكل ما يفعله الله ويقضيه ويقدره على خلقه فيه مصالح وحكم:
فما يفعله سبحانه من المعروف والإحسان دال على رحمته.
وما يفعله من البطش والانتقام دال على غضبه.
وما يفعله من اللطف وا لإكرام دال على محبته.
وما يفعله من الإهانة والخذلان دال على بغضه ومقته.
وما يفعله بمخلوقاته من النقص ثم الكمال، والحياة بعد الموت، دال على وقوع المعاد.
وخلق الله لا يبدله أحد، فما جبل الله الناس عليه من الفطرة لا يبدل كما قال سبحانه: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)} [الروم: ٣٠].
وما سبق به القدر من الكفر والإيمان لا يقع خلافه، ولكن ذلك لا يقتضي أن