للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما التيسير للعسرى فيكون بثلاثة أسباب إذا فعلها العبد كما قال سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (١٠)} [الليل: ٨ - ١٠].

فمن عطل قوة الإدراك والإعطاء عن فعل ما أمر به، واستغنى بترك تقوى ربه فعطل قوة الانكفاف والترك عن فعل ما نهى عنه، وكذب بالحسنى فعطل قوة العلم والشعور عن التصديق بالإيمان وجزائه يسره الله للعسرى.

فحال بينه وبين الإيمان بالله ورسوله، فعسر عليه أن يعطى خيراً، وتيسر له فعل الشر الذي يؤدي به إلى العذاب، وهو الخلة العسرى، والخير يؤدي إلى اليسرى وهي الجنة.

والتيسير للعسرى يكون بأمرين:

أحدهما: ان يحول بينه وبين أسباب الخير، فيجري الشر على قلبه ونيته، ولسانه وجوارحه.

الثاني: أن يحول بينه وبين الجزاء الأيسر، كما حال بينه وبين أسبابه، فليس له بعد ذلك إلا العسرى وهي النار.

ولا يمكن للعبد أن يستغني عن ربه طرفة عين، فالمتقي لما استشعر فقره وفاقته وشدة حاجته إلى ربه اتقاه، ولم يتعرض لسخطه وغضبه بارتكاب ما نهاه عنه.

فمن احتاج إلى أحد اتقى غضبه، واجتنب ما يكرهه، وفعل ما يحبه ويؤثره.

أما من استغنى عن ربه، فاستكبر عن طاعة ربه، وفعل ما يغضبه، فإنه سيعذبه في الدنيا والآخرة، ويلقى العسر والشدة في الدنيا والآخرة.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ، إِلا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ السَّعَادَةِ، فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ وَأمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقَاوَةِ». ثُمَّ قَرَأ: «{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى

<<  <  ج: ص:  >  >>