وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}» متفق عليه (١).
والله عزَّ وجلَّ هو الذي يسر للعبد أسباب الخير والشر، وخلق خلقه قسمين:
أهل سعادة فيسرهم لليسرى .. وأهل شقاوة فيسرهم للعسرى.
واستعمل هؤلاء في الأسباب التي خلقوا لغاياتها، لا يصلحون لسواها، هؤلاء في الأسباب التي خلقوا لغاياتها، لا يصلحون لسواها.
وحكمته الباهرة تأبى أن يضع عقوبته في موضع لا تصلح له، كما يأبى أن يضع كرامته وثوابه في محل لا يصلح لهما ولا يليق بهما.
بل حكمة آحاد خلقه تأبى ذلك، ومن جعل محل المسك والرجيع واحداً فهو من أسفه السفهاء.
والقدر السابق من الله على عباده لا يمنع العمل، ولا يوجب الاتكال عليه، فالعبد إنما ينال ما قدر له بالسبب الذي أقدر عليه، ومكن منه، وهيئ له.
فإذا أتى بالسبب أوصله إلى القدر الذي سبق له في أم الكتاب.
وكلما زاد اجتهاداً في تحصيل السبب كان حصول المقدور أدنى إليه.
ومن قدر الله أن يرزقه الولد لم ينل ذلك إلا بالنكاح.
ومن قدر الله له أن يكون أعلم أهل زمانه فإنه لا ينال ذلك إلا بالاجتهاد والحرص على التعلم وأسبابه.
ومن عطل العمل، اتكالاً على القدر السابق، فهو بمنزلة من عطل الأكل والشرب، اتكالاً على ما قدر له، وهل يفعل هذا من له مسكة من عقل؟.
وقد فطر الله تبارك وتعالى الإنسان والحيوان على الحرص على الأسباب التي بها مرام معاشهم ومصالحهم الدنيوية.
فهكذا الأسباب التي بها مصالحهم الأخروية، فهو سبحانه رب الدنيا والآخرة، وهو الحكيم بما نصبه من الأسباب في المعاش والمعاد.
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٤٩٤٩) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٦٤٧).