وقد يسر كلاً من خلقه لما خلقه له في الدنيا والآخرة، فهو مهيء له ميسر له.
وإذا علم العبد أن مصالح آخرته مرتبطة بالأسباب الموصلة إليها من الإيمان والأعمال الصالحة كان أشد اجتهاداً في فعلها من القيام بها في أسباب معاشه ومصالح دنياه.
وإذا علم العبد أن سلوك هذا الطريق يفضي به إلى رياض مونقة، وبساتين ومساكن طيبة، ولذة ونعيم لا يشوبه نكد ولا تعب، كان حرصه على سلوكها، واجتهاده في السير فيها بحسب علمه بما يفضي إليه.
ومن سبقت له من الله سابقة، وهيأه ويسره للوصول إليها كان فرحه بالسابقة التي سبقت له من الله أعظم من فرحه بالأسباب التي تأتي بها.
والقدر السابق إحاطة بعمل الإنسان قبل أن يعمله، فإذا وقع انكشف للعبد ما كان يجهله، والقدر السابق معين على الأعمال وما يحث عليها ومقتضي لها، لا أنه منافٍ لها وصاد عنها.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - أرشد الأمة في القدر إلى أمرين هما سبب السعادة:
الإيمان بالأقدار فإنه نظام التوحيد .. والإتيان بالأسباب التي توصل إلى خيره .. وتحجز عن شره .. وذلك نظام الشرع.
فأرشدهم إلى نظام التوحيد والأمر.
فإن قيل:
لم جعل هذا لا يليق به إلا الكرامة؟، وهذا لا يليق به إلا الإهانة؟.
قيل: شأن الربوبية خلق الأشياء وأضدادها، والملزومات ولوازمها.
ولولا خلق المتضادات لما عرف الخلق كمال قدرة الله، وكمال حكمته، وكمال مشيئته، ولما ظهرت أحكام الأسماء والصفات.
وإذا أعطي الإنسان اسم (الملك) حقه ولن يستطيع، علم أن الخلق والأمر .. والثواب والعقاب .. والعطاء والحرمان .. أمر لازم لصفة الملك .. وأن صفة الملك تقتضي ذلك ولا بد .. والملك الحق يقتضي إرسال الرسل .. وإنزال