وعندئذ يهديها الله، ويقع لها الإيمان بإذنه، فلا شيء يتم وقوعه إلا بإذن الله.
والذين عطلوا عقولهم عن التدبر، فهؤلاء يجعل الرجس عليهم بسبب تعطيلهم لمداركهم عن التعقل والتدبر، وانتهاؤهم بهذا إلى التكذيب والكفر، والآيات والنذر لا تغني عن الذين لا يؤمنون، وهي معروضة عليهم، ولكنهم لا يستفيدون منها، ولا يتعظون بها لعدم إيمانهم: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠١)} [يونس: ١٠١].
إن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان، وجعل له مشيئة يختار بها ما يشاء، وميزه بالقدرة على الاختيار بين البدائل، وهو ما لم يعطه لغيره من الخلق.
وفوق مشيئة الإنسان مشيئة الله التي يخضع لها كل شيء في الكون كما قال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)} [التكوير: ٢٧، ٢٩].
وبعض الناس يرى في هذا تعارضاً، وفي الواقع أنهما متفقان تماماً.
فالإنسان حر في أن يختار هذا أو ذاك، ولكنه لا يستطيع أن يحقق ما يريده بالضبط إلا إذا شاء الله.
فقد يريد الإنسان نفع أحد أو أذى أحد، ولكنه لا يصل إلى ما يريد دائماً، فإذا التقى ما يريده مع المشيئة تم، وإذا لم يلتق مع مشيئة الله فإنه لا يتم.
وقد يسعى رجلان لهدف واحد، أحدهما يحققه، والآخر لا يحققه، سواء اختار طريق الخير أو الشر، الاختيار لهما، ولكن التوفيق أو الإتمام يأتي بمشيئة الله. ولذلك يصف الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة بأنه: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩)} [الطارق: ٩].
فإذا وقف شخصان مثلاً أمام رجل فقير محتاج:
أحدهما: يضع في يده المال سراً.
والثاني: يعطيه المال أمام الناس رياءً.
فتكتب للأول حسنة، ولا تكتب للثاني.
فمشيئة الله عزَّ وجلَّ أن يصل للرجل درهمان، ولو عن طريق غير طريق إرضاء