فالخلق خلقه، والأمر أمره، وهو الحكيم العليم الذي يضع الشيء في موضعه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩)} [يونس: ٩٩].
فلو شاء سبحانه لخلق هذا الإنسان خلقة أخرى، فجعله لا يعرف إلا طريقاً واحداً، هو طريق الإيمان كالملائكة مثلاً.
أو لجعل له استعداداً واحداً يقود جميع أفراده إلى الإيمان.
ولو شاء كذلك لأجبر الناس وقهرهم على الإيمان .. وما الذي يمنعه من فعل ما يشاء؟.
ولكن حكمة الخالق عزَّ وجلَّ اقتضت خلق هذا الإنسان باستعداد للخير والشر .. وللهدى والضلال .. وللطاعة والمعصية.
ومنحته القدرة على اختيار هذا الطريق أو ذاك الطريق.
وقدرت أنه إذا أحسن استخدام ما وهبه الله من حواس ومشاعر ومدارك، ووجهها إلى إدراك دلائل الهدى في الكون والنفس، وما يجيء به الرسل من آيات وبينات، فإنه يؤمن ويهتدي بهذا الإيمان إلى طريق الخلاص.
وعلى العكس حين يعطل ما وهبه الله من حواس، ويغلق مداركه ويسترها عن دلائل الهدى والإيمان، يقسو قلبه، ويستغلق عقله، وينتهي بذلك إلى التكذيب والجحود، وإلى ما قدر الله للمكذبين الجاحدين من جزاء.
فالإيمان إذاً متروك للاختيار لا يكره عليه أحد، لأنه لا مجال للإكراه على مشاعر القلب: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٠)} [يونس: ١٠٠].
فالإيمان له سنة ماضية جارية، فلا تصل النفس إلى الإيمان، وقد سارت في الطريق الآخر الذي لا يؤدي إليه.
وإنما تصل إلى الإيمان إذا سارت وفق أمر الله وسنته في الوصول إليه من طريقه المرسوم بالسنة الجارية العامة.