فالذي تتجه فطرته إلى الإسلام يجد في صدره انشراحاً له، هو من صنع الله قطعاً، فالانشراح حدث لا يقع إلا بقدر من الله يخلقه ويبرزه.
والذي تتجه فطرته إلى الضلال يجد في صدره ضيقاً وعسراً، هو من صنع الله قطعاً، لأنه حدث لا يتم وقوعه الفعلي إلا بقدر من الله يخلقه، وكلاهما من إرادة الله بالعبد، ولكنها ليست إرادة القهر، إنما هي الإرادة التي أنشأت السنة الجارية النافذة من أن يبتلى هذا الإنسان بهذا القدر من الإرادة.
وأن يجري قدر الله بإنشاء ما يترتب على استخدامه لهذا القدر من الإرادة في الاتجاه للهدى أو للضلال: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (١٢٥)} [الأنعام: ١٢٥].
إن كثيراً من الكفار والمشركين والعصاة يلوحون بأن الله أجبرهم على ما فعلوه من كفر أو معصية كما حكى الله عنهم: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٣٥)} [النحل: ٣٥].
إن أمر الله ظاهر لمن تدبره، فالله يأمر عباده بالخير، وينهاهم عن الشر، ويعاقب المذنبين في الدنيا أحياناً بعقوبات ظاهرة، يتضح فيها غضبه عليهم لعلهم يتوبون كما قال سبحانه: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١)} [السجدة: ٢١].
فلا مجال بعد هذا لأن يقال: إن إرادة الله ترغم العصاة على الانحراف، ثم يعاقبهم الله عليه، إنما هم متروكون لاختيار طريقهم، وهذه هي إرادة الله.
وكل ما يصدر عنهم من خير أو شر، من هدى أو ضلال، يتم وفق مشيئة الله.
لكن الله يحب لهم الإيمان والطاعات، ويرضى بها، ويأمر بها.
ويكره لهم الكفر والفسوق والعصيان، ولا يرضى بها، بل يمقتها ويبغضها، وينهى عنها.