وبالأسباب عُرف الله .. وبها عُبد الله .. وبها أطيع الله .. وبها تقرب إليه المتقربون .. وبها نال أولياؤه رضاه وجواره.
ولكن الأسباب ليست مستقلة بالإحداث والتأثير، وليست أرباباً من دون الله، فلا تستقل بشيء من دون الله.
بل الله خالق الأسباب ومسبباتها:
فقد خلق سبحانه النار وجعل فيها قوة الحرارة والإحراق .. وخلق الماء وجعل فيه قوة مروية .. وخلق الطعام وجعل فيه قوة مشبعة .. وخلق الدواء وجعل فيه قوة مذهبة للداء .. وخلق العين وجعل فيها قوة باصرة .. وخلق الأذن وجعل فيها قوة سامعة .. وخلق الحديد وجعل فيه قوة قاطعة .. وهكذا.
فنقف مع الأسباب حيث أمرنا أن نقف معها، وندور معها حيث دارت، مع النظر إلى من أزمتها بيده.
ونلتفت إليها التفات العبد المأمور بتنفيذ ما أمر به، فهي مأمورة مدبرة، ونرعاها حق رعايتها، وننظر إليها وهي في رتبتها التي أنزلها الله إياها، ولا نتجاوز بها حدها.
والله سبحانه يرزق العباد تارة بالأسباب، وتارة بدون الأسباب.
فالرزق بالأسباب عام للمسلم والكافر، والرزق بدون الأسباب خاص بالمؤمنين كما في قصة مريم: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧)} [آل عمران: ٣٧].
والله يرزقنا الجنة بسبب الإيمان والأعمال الصالحة، وهذه أسباب.
والله خالق هذا .. وخالق هذا.
والأحوال من فقر ومرض ونحوهما لا تتغير بالأسباب، بل تتغير بالإيمان والأعمال الصالحة.