للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنها امتحان يمر به الإنسان، ليوصله إلى الجنة أو النار.

أما في الآخرة فظاهر الملك يختفي كما تختفي الأسباب: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (١٦)} [غافر: ١٦].

والله تبارك وتعالى كما أنه خالق كل شيء، فهو مالك كل شيء، ومدبر كل شيء، ولكنه استخلفنا في الدنيا في مال أو حكم أو سلطان بإذنه وبأمره، متى شاء وكيف شاء، كما قال سبحانه: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: ٧].

فالله عزَّ وجلَّ استخلفنا في الأرض والأموال والمناصب ليرى ماذا نفعل؟.

هل نطيعه فيها أم نعصيه؟ .. وهل نعتمد عليها، أم نتوكل على الله وحده؟. كما قال سبحانه: {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩)} [الأعراف: ١٢٩].

والله سبحانه خلق ما في الأرض جميعاً، وخلق لها الأسباب التي تحصل بها، والعوامل التي تحكمها، إظهاراً لكمال قدرته، وابتلاء العباد.

ولكن هذه العوامل والأسباب لا يمكن أن تكون قيداً على قدرة الله سبحانه، ذلك أن الله لو قضى بالأسباب وحدها في الأرض، لعبد الناس الأسباب وحدها، ونسوا المسبب الخالق سبحانه.

ولذلك بقيت طلاقة قدرة الله في الكون، لتلفت الناس إلى أن الذي خلق الأسباب، لا تقيده هذه الأسباب في قدرته.

فله سبحانه سنة .. وله قدرة .. فسنته جارية .. وقدرته مطلقة لا يحكمها شيء.

وهو يفعل ما يشاء في أي وقت شاء، ولكن ظهور القدرة لا يحدث إلا بين حين وآخر، لأنها ليست حكم الله في الدنيا ولا سنته، ولا هي وسيلة الحياة فيها.

وإذا حدثت طلاقة القدرة كل يوم انتفت الأسباب، ولم يعد لأسباب الدنيا وجود، ولكنها تأتي لفتة كما خرج الماء من الحجر لموسى - صلى الله عليه وسلم - كما قال سبحانه: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا

<<  <  ج: ص:  >  >>