للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢)} [النحل: ١١٢].

فالغنى يولد الطغيان والاستكبار، والطغيان يولد الإسراف والظلم، والإسراف يسوق الإنسان إلى التبذير، والتبذير دليل على الترف .. والترف يولد الجريمة .. وبعد الجريمة تنزل العقوبة.

والترف يفسد الفطرة، ويغلظ المشاعر، ويسد المنافذ، ويفقد القلوب الحساسية المرهفة التي تتلقى وتتأثر وتستجيب.

ومن هنا يحارب الإسلام الترف، ويقيم نظامه على أساس لا يسمح للمترفين بالوجود في الجماعة المسلمة.

لأن الترف كالعفن يفسد ما حوله، حتى لنيخر فيه السوس، ويسبح فيه الدود.

فأين مصير المترفين الذين اشتغلوا به عن الإيمان بالله وطاعته وعبادته؟.

وأين هي دارهم؟: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥)} [الواقعة: ٤١ - ٤٥].

والمترفون أشد الناس استغراقاً في المتاع والانحراف والذهول عن المصير، فهاهم يستيقظون على الكارثة الباغتة المفاجئة: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (٦٧)} [المؤمنون: ٦٤ - ٦٧].

والله عزَّ وجلَّ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر.

ومسألة بسط الرزق وقبضه ليست دليلاً على غضب الله ورضاه، فهذه مسألة، وهذه مسألة أخرى، ولا علاقة بينهما: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٦)} [سبأ: ٣٥، ٣٦].

فقد يغدق الله على أهل الشر استدراجاً لهم ليزدادوا إثماً وبطراً وسوءاً، ويتضاعف رصيدهم من الإثم والجريمة عقوبة على معاصيهم: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٦)} [المؤمنون: ٥٥، ٥٦].

وقد يحرمهم فيزدادوا شراً وفسوقاً، وجريمةً وجزعاً، وضيقاً ويأساً من رحمة الله، فيتضاعف رصيدهم من الشر والضلال.

فالله سبحانه حكيم خبير بصير بعباده.

قد يغدق الله على أهل الشر استدراجاَ لهم، ليزدادوا إثماً وبطراً وسوءاً، ويتضاعف رصيدهم من الإثم والجريمة، عقوبة على معاصيهم كما قال سبحانه: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>