إن الناس في حاجة إلى تذكيرهم في معرض دعوتهم إلى الهدى بأنهم هم الفقراء المحاويج إلى الله، وأن الله غني عنهم كل الغنى، وأنهم حين يدعون إلى الإيمان بالله وعبادته وحمده على آلائه فإن الله غني عن عبادتهم وحمدهم: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥)} [فاطر: ١٥].
فهو سبحانه الغني الحميد، المحمود لذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
ولا بد من تذكيرهم بعظمة ربهم وقدرته، وأنهم لا يعجزون الله ولا يعزون عليه، فهو إن شاء أن يذهب بهم ويأتي بخلق جديد من جنسهم أو من جنس آخر يخلفهم في الأرض، فإن ذلك عليه يسير: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (١٣٣)} [النساء: ١٣٣].
والناس جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها، الأغنياء والفقراء، العامة والخاصة، السادة والعبيد، كلهم بحاجة أن يذكروا بهذه الحقيقة، لئلا يركبهم الغرور وهم يرون أن الله عزَّ وجلَّ يعني بهم، ويرسل إليهم الرسل، ويجاهد الرسل أن يردوهم عن الضلالة إلى الهدى، ويخرجوهم من الظلمات إلى النور، فيركبهم الغرور، فيظنون أنهم شيء عظيم عند الله، وأن هداهم وعبادتهم تزيد شيئاً في ملك الله تعالى وهو الغني الحميد.
إن الله جل جلاله إنما يعامل عباده هكذا رحمة منه وفضلاً، وكرماً ومناً، لأن هذه صفاته المتعلقة بذاته، لا لأن هؤلاء العباد يزيدون في ملكه شيئاً بهداهم، أو ينقصون من ملكه شيئاً بعماهم، ولا لأن هؤلاء العباد مخلوقات نادرة، عزيزة صعبة الإعادة أو الاستبدال، فيغتفر لهم ما يقع منهم، لأنهم صنف لا يعاد ولا يستبدل.
وإن الله بالناس لرؤوف رحيم، يمنح العباد من رعايته، ويفيض عليهم من رحمته، ويغمرهم بسابغ فضله، بتسخير ما في السموات والأرض لهم، وإرسال رسله إليهم، وإنزال كتبه عليهم، واحتمال رسله ما يحتملون من إيذائهم وإعراضهم والسخرية منهم، وهم يعفون عنهم، ويصبرون على أذاهم.