إن الإنسان ليحار ويدهش في فضل الله ومنّه وكرمه حين يرى هذا الإنسان الصغير الضئيل، الجاهل القاصر .. الضعيف العاجز، ينال من كرامة الله وعنايته ورعايته كل هذا القدر الهائل.
وإلإنسان ساكن صغير من سكان هذه الأرض السابحة في الفضاء، والسماء والأرض مملوءة بمخلوقات لا يحصيها إلا الله، ثم ينال الإنسان من الله كل هذه الرعاية والعناية كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠)} [الإسراء: ٧٠].
فكم فضل الله وإحسانه إلى العباد، خلق الله الإنسان، واستخلفه في الأرض ووهبه كل أدوات الخلافة، سواء كان في تكوينه وتركيبه، أو تسخير القوى والطاقات الكونية الملازمة له في خلافته، ويظل هذا المخلوق يتبجح حتى ليشرك بربه أو ينكره.
فيرسل الله إليه الرسل رسولاً بعد رسول، وينزل على الرسل الكتب والآيات والمعجزات، ويخبرهم عن ذوات أنفسهم، وعمن سبقهم، ويسوقهم إلى ما ينفعهم، ويحذرهم مما يضرهم، كل ذلك من أجل هذا الإنسان.
والناس خلقاء أن يدركوا هذه الحقيقة، ليدركوا مدى فضل الله ورعايته ورحمته، وليستحيوا أن يقابلوا فضل الله الخالص، ورعايته المجردة، ورحمته الفائضة بالإعراض والجحود والإنكار.
وكتاب الله سبحانه يلمس بمثل هذه الحقائق الكبرى قلوب البشر، لأن الحقيقة حين تجلى أفعل في النفس، ولأنه هو الحق، وبالحق نزل، فلا يتحدث إلا بالحق، ولا يقنع إلا بالحق، ولا يعرض إلا الحق، ولا يشير ويوصي بغير الحق.
فما أحوجنا إلى تدبر القرآن بنور الإيمان: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩)} [ص: ٢٩].
والله عزَّ وجلَّ لطيف بعباده يرزق من يشاء، يرزق الصالح والطالح، والمؤمن