عنه حتى وفاته، ثم عند عمر حتى قبض، ثم عند حفصة أم المؤمنين.
ولقد قوبل هذا الجمع البكري بمباركة الصحابة ورضاهم، وكيف لا وهم حماة الإسلام وبناة صرحه.
قال علي: (أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع بين اللوحين).
هل استوعب مصحف أبي بكر الأحرف السبعة؟
إن القرآن كتب بحضرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلغة قريش إمعانا في تحدي العرب الفصحاء.
فها هو القرآن يسجل بلغتهم الأدبية الراقية، أما الأحرف السبعة فهي في قراءة القرآن وأدائه لا في كتابته.
وعثمان أمر زيدا وصحبه بكتابة القرآن على لسان قريش، فهل كان زيد قد كتبه أيام أبي بكر بالأحرف السبعة، ثم كتبه أيام عثمان بحرف؟ هذا محال، مما يرجح ما قررناه من أن مصحف أبي بكر اشتمل على ما في العرضة الأخيرة من الأحرف السبعة أداء وقراءة، أما كتابته فكانت بلسان قريش أي بكتبتهم.
كما أننا قررنا من قبل أن القرآن قد بدأت كتابته في مكة مما يستلزم أن يكتب بلسان أهلها أي بطريقة أهلها في الكتابة.
[٣ - الجمع العثماني للقرآن الكريم]
: تفرق كبار الصحابة في الأمصار بعد وفاة عمر بن الخطاب، وأخذ كل منهم يقرأ القرآن في بيئته الجديدة بما سمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قراءات.
وكانت هذه القراءات مألوفة لدى الصحابة في تغايرها واختلاف أدائها، أما الأقوام المستأخرون فإنهم لم يدركوا أبعاد ذلك التغاير حتى حسّن كل منهم قراءته وذم قراءة الآخرين.
فكانت بوادر من هذا الاختلاف في كل صقع من أصقاع المسلمين.
ولما ندب عثمان أهل الشام وأهل العراق على فتح أرمينية عاب بعضهم على بعض في القراءة، فهرع حذيفة بن اليمان إلى خليفة المسلمين عثمان أن أدرك هذه الأمة قبل اختلافها على كتاب ربها.
فالخلاف كان لتنوع القراءات التي يقرأ ويقرئ بها الصحابة، وكان أثرا لتعدد مصاحف الصحابة التي اكتتبوها لأنفسهم ولم يشترطوا فيها ما اشترط أبو بكر في جمعه،
فكانت هذه المصاحف تزاحم المصحف الذي أمر بجمعه أبو بكر.
استشار عثمان الصحابة فأشاروا عليه بجمع الناس على مصحف واحد وتحريق ما دونه من مصاحف.