بَيت الْآبَار الشَّامي نَاظر المارستان وناظر الْأَوْقَاف وَقد اشتهرت نهضته وكفايته وأمانته وفوض إِلَيْهِ الْحِسْبَة بِمصْر بعد امْتِنَاعه مِنْهُمَا وأكد عَلَيْهِ فِي الْقيام بِمَا نَدبه إِلَيْهِ وخلع عَلَيْهِ فِي ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة. وَنزل الضياء وَمَعَهُ الأكز شاد الدَّوَاوِين إِلَى مصر فَكَانَ يَوْمًا مشهوداً. وَأول مَا بَدَأَ بِهِ الضياء أَن ختم شون الْأُمَرَاء كلهَا بعد أَن كتب مَا فِيهَا من عدَّة الأرادب وَكتب مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْأَمِير من الجراية لمئونته والعليق لدوابه إِلَى حِين قدوم الْمغل الْجَدِيد ثمَّ طلب الشماسرة والأمناء والكيالين وَأشْهد عَلَيْهِم أَلا تفتح شونة إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَصَارَ الضياء يركب فِي كل يَوْم إِلَى شونة وَيخرج مَا فِيهَا فَيبْدَأ بتكفية الطحانين وَلَا يَبِيع الأردب إِلَّا بِثَلَاثِينَ درهما فَلم يقدر أحد على بَيْعه بِأَكْثَرَ من ذَلِك. ثمَّ بلغ الضياء أَن سمساري الأميرين قوصون وبشتاك باعا بِأَكْثَرَ من ذَلِك فاستدعي الْأَمِير الأكز إِلَى مصر فضربهما بالمقارع واشهرهما. ثمَّ عرف الضياء السُّلْطَان بأمرهما فَاشْتَدَّ غَضَبه وَطلب الْأَمِير قوصون حَضْرَة الْأُمَرَاء وصرخ عَلَيْهِ: وَيلك أَنْت تُرِيدُ أَن تخرب على مصر وتخالف مرسومي وسبه ولعنه وَشهر عَلَيْهِ السَّيْف وضربه على أكتافه وَرَأسه وَصَارَ يَقُول: هاتوا أستاداره فسارع النُّقَبَاء لإحضاره وَمن شَره غضب السُّلْطَان صَار يقوم وَيقْعد وَيَقُول هاتوا أستاداره حَتَّى خرج أَمِير مَسْعُود الْحَاجِب بِنَفسِهِ إِلَى بَاب القلعة والحاجب الآخر. وارتجت القلعة بأسرها وَخَافَ الْأُمَرَاء كلهم فَلم ينْطق أحد مِنْهُم لشدَّة مَا رَأَوْا من غضب السُّلْطَان. فَلم يكن أسْرع من حُضُور قطلو أستادار قوصون فَأمر السُّلْطَان الأكز بضربه بالمقارع ثمَّ أَمر بِهِ فبطح بَين يَدَيْهِ وَضرب خوفًا عَلَيْهِ من إفحاش الأكز فِي ضربه فَلم يتجاسر أحد بعْدهَا من الْأُمَرَاء أَن يفتح شونته إِلَّا بِأَمْر ثمَّ بلغ الضياء أَن الْأَمِير طشتمر الساقي أخرج من شونته أَرْبَعمِائَة أردب فَأنْكر على ديوانه وَحلف أَنهم إِن لم يُعِيدُوا الأربعمائة أردب إِلَى الشونة وَإِلَّا عرف السُّلْطَان ذَلِك فَلَمَّا بلغ الْأَمِير طشتمر هَذَا رد الْغلَّة إِلَى الشونة. وَكتب السُّلْطَان إِلَى وُلَاة الْأَعْمَال أَن يركبُوا بِأَنْفسِهِم إِلَى جَمِيع النواح ويحملوا مَا بهَا من الغلال بِحَيْثُ لَا يدعونَ غلَّة فِي مطمورة وَلَا مخزن وَلَا أحد عِنْده غلَّة حَتَّى يحمل ذَلِك كُله إِلَى مصر وتحضر أَرْبَابهَا لأخذ أثمانها عَن كل أردب مبلغ ثلانين درهما وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر: من كَانَ عِنْده غلَّة وَلَا يَبِيعهَا نهبت.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute