للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الروايا وكلف السقايين الَّذين يذهبون معي فِي البيكار وأكون قد وفرت نَفسِي وعسكري. وَلم يعْهَد فِي أَيَّام ملك قبله مَا عهد فِي أَيَّامه من مسالمة الْأَيَّام لَهُ وَعدم حَرَكَة الْأَعْدَاء برا وبحراً وخضوع جَمِيع الْمُلُوك لَهُ ومهاداتهم إِيَّاه وَكَانَ يصل إِلَى قتل من يُرِيد قَتله بالفداوية لِكَثْرَة بذله لَهُم الْأَمْوَال. وَكَانَ يحب الْعِمَارَة فَلم يزل من حِين قدم من الكرك إِلَى أَن مَاتَ مُسْتَمر الْعِمَارَة فجَاء تَقْدِير مصروفه كل يَوْم مُدَّة هَذِه السنين ثَمَانِيَة آلَاف دِرْهَم. وَكَانَ ينْفق على الْعِمَارَة الْمِائَة ألف دِرْهَم فَإِذا رأى فِيهَا مَا لَا يعحبه هدمها كلهَا وجددها على مَا يخْتَار. وَلم يكن من قبله من الْمُلُوك فِي الْإِنْفَاق على الْعِمَارَة كَذَلِك بل أَرَادَ الْمَنْصُور قلاوون مرّة أَن يَبْنِي مصطبة عَلَيْهَا رَفْرَف يَقِيه حر الشَّمْس ليجلس عَلَيْهَا فَكتب لَهُ الشجاعي على تَقْدِير مصروفها أَرْبَعَة أُلَّاف دِرْهَم فَتَنَاول الورقة من يَد الشجاعي ومزقها وَقَالَ: أقعد فِي مقْعد بأَرْبعَة أُلَّاف انصبوا لي صيواناً إِذا نزلت وَلَا أخرج من بَيت المَال لمثل هَذَا شَيْئا. وَكَذَلِكَ كَانَ الظَّاهِر بيبرس وَمن قبله لَا يستهون بِالْمَالِ وَإِنَّمَا يدخرونه صِيَانة وخوفاً وَلم يعرف لآحد مِنْهُم أَنه أنعم بِأَلف دِينَار جملَة وَاحِدَة. وَرَاك السُّلْطَان النَّاصِر أَرض مصر وَالشَّام وأبطل عدَّة مظالم من المكوس والضمانات: مثل سَاحل الْغلَّة وَكَانَ عَلَيْهِ سِتّمائَة جندي مَا مِنْهُم إِلَّا من لَهُ فِي كل سنة مَا بَين ثَمَانِيَة أُلَّاف دِرْهَم إِلَى سِتَّة أُلَّاف دِرْهَم سوى مَا عَلَيْهِ لِلْأُمَرَاءِ وَمثل الْحُقُوق الَّتِي كَانَت على الأسربة إِذا كسحت وَعَلَيْهَا أَيْضا عدَّة أجناد فرتب لَهُم فِي كل سنة جملَة لكل مِنْهُم وَمثل جِهَات ابْن البطوني وَكَانَ هَذَا الرجل يَأْخُذ على رد العبيد والجواري الآبقين ضريبة وَيُقِيم من تَحت يَده رجَالًا على الطرقات لرد الهاربين وَيقوم للديوان فِي كل سنة بِمَال. وأبطل السُّلْطَان غير ذَلِك من المكوس كَمَا تقدم عِنْد عمل الروك. وَكَانَ السُّلْطَان النَّاصِر متسع الْحَال. بلغ راتبه من اللَّحْم فِي كل يَوْم لمطبخه ومرتب مماليكه سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألف رَطْل لحم. واستجد فِي أَيَّامه عمائر كَثِيرَة: مِنْهَا حفر خليج الإسكندية من بَحر فوة فِي مُدَّة أَرْبَعِينَ يَوْمًا عمل فِيهِ فَوق الْمِائَة ألف رجل من أهل النواحي فاستجد عَلَيْهِ عدَّة سواقي وبساتين فِي أَرَاضِي كَانَت سباخا فَصَارَت مزارع قصب السكر والسمسم

<<  <  ج: ص:  >  >>