وَقد اقتحموا بَابه فَقَالَ لَهُم قَاضِي الْقُضَاة موفق الدّين الْحَنْبَلِيّ. مَعكُمْ مرسوم بنهبي قَالُوا: لَا لَكِن سلمنَا الغوري فَقيل لَهُم: هَذَا غَرِيم السُّلْطَان قد صَار عِنْدِي وَأَنْتُم قد أَخَذْتُم مَاله ومازال بهم حَتَّى انْفَضُّوا عَنهُ وشنع الْحَال فِي النهب وَكَانَ ذَلِك من سوء تَدْبِير أيدغمش فَإِنَّهُ جرأ الْعَامَّة على نهب إصطبل قوصون لغرضه فوجدوا فِيهِ مَا لَا يكَاد يُوصف. وَبلغ ذَلِك مماليك الْأُمَرَاء والأجناد فأتوهم ووقفوا لانتظار من يخرج بِشَيْء حَتَّى يأخذوه فَإِن امْتنع من دَفعه إِلَيْهِم قَتَلُوهُ. فَوحد لقوصون أَربع سراري نهب جَمِيع مالهن وحملت أكياس الذَّهَب وَالْفِضَّة وَنَثَرت بالدهليز والطرق. فَأخذ مماليك أيدغمش وَغَيره شَيْئا كثيرا من المَال وَنزلت مماليك يلبغا اليحياوي من سور إصطبله وقووا على النَّاس واقتسموا الذَّهَب وأخرجت النهابة من الْبسط الرومية والآمدية وَعمل الشريف شَيْئا كثير قطعوها قطعا وتقاسموها وكسروا أواني البلور والصيني وسلاسل الْخَيل الْفضة وَالذَّهَب وَمن السُّرُوج وَاللَّحم مَا لَا يحد وَقَطعُوا الخيم وَثيَاب الخركاوات مَا بَين حَرِير وزرنيب بحاصله. وَكَانَ بحاصل قوصون لما نهب مَا ينيف على أَرْبَعمِائَة ألف دِينَار ذَهَبا فِي أكياس وَمن الحوايص والزركش والأواني مَا بَين أطباق وخونجات زِيَادَة على مائَة ألف وَمن حلي النِّسَاء مَا لَا ينْحَصر وَثَلَاثَة أكياس أطلس فِيهَا جَوَاهِر بِمَا ينيف على مائَة ألف دِينَار وَمِائَة وَثَلَاثِينَ زوج بسط مِنْهَا مَا طوله أَرْبَعُونَ ذِرَاعا وَثَلَاثُونَ ذِرَاعا كلهَا من عمل الرّوم وآمد وشيراز وَسِتَّة عشر زوجا من عمل الشريف بِمصْر قيمَة كل زوج اثْنَا عشر ألف دِرْهَم وَأَرْبَعَة أَزوَاج بسط حَرِير لَا يقوم عَلَيْهَا ونوبة خام جَمِيعهَا أطلس معدني قصّ. فَانْحَطَّ لذَلِك سعر الذَّهَب حَتَّى كَانَ صرفه بِأحد عشر درهما الدِّينَار من كَثْرَة مَا صَار فِي الْأَيْدِي بَعْدَمَا كَانَ الدِّينَار بِعشْرين درهما وَلِأَن أيدغمش نَادَى فِي الْقَاهِرَة ومصر أَن من أحضر من الْعَامَّة ذَهَبا لتاجر أَو صيرفي أَو متعيش يقبض عَلَيْهِ ويحضر بِهِ إِلَيْهِ فَكَانَ من مَعَه مِنْهُم ذهب يَأْخُذ فِيهِ مَا يدْفع إِلَيْهِ من غير توقف. وَكَثُرت مرافعة النَّاس بَعضهم لبَعض فِيمَا نهب فَجمع أيدغمش شَيْئا كثيرا من ذَلِك. ثمَّ إِن الْعَامَّة بعد نهب إصطبل قوصون وقصره حَتَّى أخذُوا سقوفه ورخامه وأبوابه وتركوه خراباً مضوا إِلَى خانكاته بِبَاب القرافة فَمَنعهُمْ أَهلهَا من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute