صرغتمش بتخليصه وَأسر اليه أَن يتمارض فِي بَيته أَيَّامًا حَتَّى يدبر أمره مَعَ السُّلْطَان والأمراء. فَانْقَطع بدر الدّين عَن الْخدمَة وَأظْهر أَنه مَرِيض فَلم يبْق أحد من أهل الدولة حَتَّى عَاده على الْعَادة. ثمَّ بعد أَيَّام انْقَطع الْوَزير الصاحب موفق الدّين أَبُو الْفضل عبد الله بن سعيد الدولة لوعك أَصَابَهُ فتعطلت أشغال السلطنة. وَأخذ الْأَمِير صرغتمش يحدث الْأُمَرَاء فِي إعفاء بدر الدّين نَاظر الْخَاص فاستدعى تَاج الدّين أَحْمد بن الصاحب أَمِين الْملك عبد الله بن غَنَّام وَعرض عَلَيْهِ السُّلْطَان نظر الْخَاص فتمنع تمنعاً زَائِدا فَلم يُوَافقهُ الْأَمِير طاز والبسه التشريف فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشره فولي الْخَاص عوضا عَن بدر الدّين. ثمَّ كَانَ موت الْوَزير موفق الدّين فِي يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشريه فَتعين الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن بيليك المحسنى وَطلب الْأَمِير نَاصِر الدّين لذَلِك فَامْتنعَ أَشد الِامْتِنَاع وَجَرت بَينه وَبَين تَاج الدّين نَاظر الْخَاص مُفَاوَضَة فِي مجْلِس السُّلْطَان سَببهَا أَنه قَالَ: أما ثمَّ من يصلح للوزارة الا الْأَمِير نَاصِر الدّين فحنق مِنْهُ وَقَالَ لَهُ: مَا يصلح الا أَنْت فَتكون الوزارة مُضَافَة للخاص كَمَا كَانَ من قبلك. فَامْتنعَ تَاج الدّين من ذَلِك وانفض الْمجْلس فَأخذ الْأَمِير طاز بِحسن لناظر الْخَاص التحدث فِي الوزارة ويعده بمساعدته وَهُوَ يَأْبَى. وَفِي أثْنَاء ذَلِك استعفى الْأَمِير شيخو من التحدث فِي أَمر الدولة فتقرر الْحَال على أَن ينْفَرد السُّلْطَان بتدبير دولته من غير أَن يُعَارضهُ أحد فِي ذَلِك ويستبد بالمملكة وَحده كَمَا كَانَ أَبوهُ وَحده. وَاجْتمعَ الْأُمَرَاء وَسَائِر أهل الدولة بَين يَدي السُّلْطَان وفاوضوه فِي ذَلِك فَوَافَقَ غَرَضه فَإِنَّهُ كَانَ فِي حصر شَدِيد لَيْسَ لَهُ أَمر وَلَا نهى وَلَا تصرف فِي شَيْء من أُمُور الدولة وَهُوَ مَحْجُور عَلَيْهِ مَعَ الْأَمِير شيخو. فقلدوه الْأُمُور والتزموا بِطَاعَتِهِ فِيمَا يرسم بِهِ. فَصَارَ مباشرو الدولة يدْخلُونَ على السُّلْطَان وَينْهَوْنَ لَهُ الْأَحْوَال فيمضيها بأَمْره وَنَهْيه. واختص السُّلْطَان بالأمير طاز وَتقدم اليه أَن ينظر فِي أُمُور الدولة من غير أَن يظْهر ذَلِك. فاشتهر بَين الْأُمَرَاء وَغَيرهم أَن استعفاء الْأَمِير شيخو من التحدث فِي أُمُور الدولة واستقلال السُّلْطَان بِالْأَمر إِنَّمَا هُوَ بتدبير طاز وقيامه فِيهِ مَعَ السُّلْطَان فَإِن السُّلْطَان كَانَ لَهُ ميل كَبِير إِلَى الْأَمِير طاز وشغف بحب أَخِيه جنتمر وَفتن بِهِ وَكَانَ ذَلِك مِمَّا لَا يخفي على شيخو فَرَأى أَن ترك التحدث فِي الدولة من تِلْقَاء من نَفسه خير من عَزله عَنهُ. فَلَمَّا استبد السُّلْطَان بأَمْره منع الْأَمِير شيخو الْوَزير وناظر الْخَاص وأمثالهما من الدُّخُول اليه وَاسْتَأْذَنَ السُّلْطَان فِي الْإِقَامَة بإصطبله عدَّة أَيَّام ليشْرب دَوَاء. فَخَلا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute