السُّلْطَان وَهُوَ سَائِر إِلَيْهِ وتوافقا حَتَّى غربت الشَّمْس فَحمل يلبغا. بِمن مَعَه يُرِيد السُّلْطَان فَانْهَزَمَ من غير قتال وَمَعَهُ الْأَمِير عز الدّين أيدمر الدوادار فتفرقت مماليكه فِي كل جِهَة وَتَمَادَى السُّلْطَان فِي هزيمته إِلَى شاطىء النّيل وَركب هُوَ وأيدمر فَقَط فِي بعض المراكب وَترك ركُوب الحراقة السُّلْطَانِيَّة وَصعد قلعة الْجَبَل وألبس من بهَا من المماليك فَلم يجد فِي الإصطبل خيولاً لَهُم فَإِنَّهَا كَانَت مرتبطة على البرسيم لتربع على الْعَادة فاضطرب وَنزل من القلعة وَمَعَهُ أيْدَمُر وَقد تنكرا ليسيرا إِلَى الشَّام فعرفهما بعض المماليك فَأنْكر حَالهمَا وَأَخذهمَا وَمضى بهما إِلَى بَيت الْأَمِير شرف الدّين مُوسَى بن المازْكَشي فأواهما. هَذَا وَقد مضى يلبغا وَقت هزيمَة السُّلْطَان فِي إسره فَلم يظفر بِهِ فَركب الحراقة وَمنع أَن يعدى مركب بِأحد من المماليك السُّلْطَانِيَّة إِلَى بر مصر وعدى بَأصحابه فِي اللَّيْل إِلَى الْبر فَلَقِيَهُ الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن المحسني والأمير قشتمر المنصوري فِي عدَّة وافرة فحاربهما وهزمهما وَتقدم فَهزمَ طَائِفَة بعد طَائِفَة. ثمَّ وجد الْأَمِير أسنبغا ابْن البوبكري فِي عدَّة وافرة فقاتله قَرِيبا من قنطرة قديدار قتالاً كَبِيرا جرح فِيهِ أسنبغا وَانْهَزَمَ من كَانَ مَعَه. وَمضى يلبغا حَتَّى وقف تَحت القلعة فَبَلغهُ نزُول السُّلْطَان وأَيْدَمُر منكسرين. وبينما هُوَ مفكر فِيمَا يَفْعَله إِذْ أَتَاهُ قَاصد ابْن الأزْكَشي وَأخْبرهُ بِأَن السُّلْطَان وأَيْدَمر عِنْده فَسَار بعسكره إِلَى بَيت ابْن الأزْكَشي بالحسينية وأحاط بِهِ وَأخذ السُّلْطَان والأمير أَيْدَمُر وَمضى بهما إِلَى دَاره قرب جبل الْكَبْش فحبسهما بهَا ووكل بهما من يَثِق بِهِ. ثمَّ عَاد إِلَى القلعة وَقد امْتنع بهَا طَائِفَة من مماليك السُّلْطَان ورموه بالنشاب فأعلمهم بِأَنَّهُ قد قبض على السُّلْطَان وسجنه فِي دَاره فانحلت عزائمهم وفتحوا بَاب القلعة فَصَعدَ يلبغا وَمن مَعَه إِلَيْهَا وملكها وَأقَام فِي السلطنة مُحَمَّد بن المظفر حاجي بن مُحَمَّد بن قلاوون. وَلم يُوقف للسُّلْطَان حسن على خبر فَقيل إِنَّه عاقبه عُقُوبَة شَدِيدَة حَتَّى مَاتَ وَدَفنه فِي مصبطة كَانَ يركب عَلَيْهَا من دَاره بالكبش. وَقيل دَفنه بكيمان مُضر وأَخفي قَبره فَكَانَ عمره دون الثَّلَاثِينَ سنة مِنْهَا مُدَّة سلطنته هَذِه الثَّانِيَة سِتّ سِنِين وَسَبْعَة أشهر وَسَبْعَة أَيَّام. وَترك عشرَة أَوْلَاد ذُكُور وهم أَحْمد وقاسم وَعلي وإسكندر وَشَعْبَان وَإِسْمَاعِيل وَيحيى ومُوسَى ويوسف وَمُحَمّد وست بَنَات. وَكَانَ من خِيَار مُلُوك الأتراك. أَخْبرنِي ثقتان من النَّاس أَنَّهُمَا سمعاه يحلف بالأيمان الحرجة أَنه مَا شرب خمرًا وَلَا لَاطَ مُنْذُ كَانَ إِلَّا أَنه شغف بنسائه وجواريه شغفاً زَائِدا واشتهر فِي أمرهن وأفرط فِي الإقبال عَلَيْهِنَّ مَعَ الْقيام بتدبير ملكه. وعزم على قطع دابر الأقباط والأتراك المماليك فولى عدَّة وظائف كَانَت بيد الأقباط
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute