أَحْمد بن الفيشي من الْحَنَفِيَّة دخل إِلَى منزله بِالْقربِ من الْجَامِع الْأَزْهَر فَسمع صَوتا من جِدَار بَيته يَقُول لَهُ: اتَّقِ الله وعاشر زَوجتك بِالْمَعْرُوفِ فَظن أَن هَذَا من الجان فَإِنَّهُ لم ير شَيْئا وَحدث أَصْحَابه بذلك فصاروا مَعَه إِلَى بَيته فَسَمِعُوا الْكَلَام من الْجِدَار فسألوا عَمَّا بدا لَهُم فأجابهم الْمُتَكَلّم من غير أَن يرَوا شَيْئا فغلب على ظنهم أَن هَذَا من الجان وأشاعوه فِي النَّاس فارتجت الْقَاهِرَة ومصر وَأَقْبل النَّاس من كل جِهَة إِلَى بَيت ابْن الفيشي لسَمَاع كَلَام الْحَائِط وصاروا يحادثون الْحَائِط بزعمهم ويحادثهم فَكثر بَين النَّاس قَوْلهم: يَا سَلام سلم الْحَائِط بيتكلم وَكَاد النَّاس أَن يفتتنوا بِهَذَا وجلبوا إِلَى ذَلِك الْجِدَار من الطِّبّ شَيْئا كثيرا وَحَضَرت الْعَذْرَاء من خدرها إِلَيْهِ. فَركب محتسب الْقَاهِرَة جمال الدّين مَحْمُود العجمي إِلَى بَيت ابْن الفيشي هَذَا ليختبر مَا يُقَال ووكل بِابْن الفيشي أحد أعوانه فَإِذا بِالْبَيْتِ مُرْتَفع وَتَحْته إصطبل فِيهِ بعض الأجناد فَوكل بِهِ أَيْضا وطلع إِلَى عِنْد الْحَائِط وحدثه فحادثه فَأمر بهدم الْحَائِط فَقَالَ لَهُ: اخرب فَإِنَّهُ مَا ينزل على شَيْء وَلَا أُبَالِي لَا فَلَمَّا هدم الْحَائِط لم ير شَيْئا فَعَاد إِلَى بَيته وَقد كثر تعجبه وازدادت فتْنَة النَّاس بِالْحَائِطِ وَأخذ الْمُحْتَسب مَعَ أَصْحَابه فِي ذكر ذَلِك فَبعث من يكْشف لَهُ الْخَبَر: هَل انْقَطع الْكَلَام بعد تخريب الْحَائِط أَو لَا فَوَجَدَهُ قاصده يتَكَلَّم كَمَا كَانَ قبل خرابه فتحير من ذَلِك وَكَانَ هَذَا الْمُحْتَسب شهما جريئًا قد مارس الْأُمُور وحلب الدَّهْر أشطره ولاحظته مَعَ ذَلِك السُّعُود فَلَا يَتَحَرَّك حَرَكَة إِلَّا حمد عَلَيْهَا وَلَا بَاشر جِهَة وقف إِلَّا عمر خرابه وَأنْفق على مستحقيه معاليمهم بعد تَأَخّر صرفهَا لَهُم. وَإِذا بَاشر حسبَة الْقَاهِرَة رخت الأسعار فَإِذا عزل ارْتَفَعت فتقف الْعَامَّة وتطلب عوده لسعادة جده ويمن إقباله. وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ كَمَا قيل نفس عِصَام سودت عصاما فَلَمَّا عَاد قاصده إِلَيْهِ أخبرهُ بِأَن الْكَلَام مُسْتَمر قَامَ من فوره وَمَعَهُ عدَّة من أَصْحَابه حَتَّى جَلَسُوا عِنْد الْجِدَار وَأخذُوا فِي قِرَاءَة شَيْء من الْقُرْآن ثمَّ طلب صَاحب الْبَيْت وَقَالَ لَهُ: قل لهَذَا الْمُتَكَلّم: القَاضِي جمال الدّين يسلم عَلَيْك. فَقَالَ: يَا سَيِّدي الشَّيْخ القَاضِي يسلم عَلَيْك. فَقَالَ الْجِدَار: وَعَلِيهِ السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. فَقَالَ الْمُحْتَسب: قل لَهُ إِلَى مَتى هَذَا الْفساد. فَأَجَابَهُ: إِلَى أَن يُرِيد الله تَعَالَى فَقَالَ لصَاحب الْبَيْت: قل لَهُ: هَذَا الَّذِي تَفْعَلهُ فتْنَة للنَّاس وَهَذَا مَا هُوَ جيد. فَأَجَابَهُ: مَا بَقِي بعد هَذَا كَلَام وَسكت وهم يَقُولُونَ لَهُ يَا سَيِّدي الشَّيْخ فَلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute