الْإسْكَنْدَريَّة بِأَن الْعِمَارَة عِنْد القبرسي فاهتم نَائِب السُّلْطَان بهَا - وَهُوَ الْأَمِير زين الدّين خَالِد. - فَرفع سورها الْقصير من جِهَة الْبَاب الْأَخْضَر وَصَارَ يجْتَهد فِي الْعِمَارَة وَيُرْسل يطْلب من الْأَمِير يلبغا الخاسكي - مقدم الجيوش المنصورة الْإِعَانَة على عمَارَة السُّور ويعلمه بِخَبَر عمَارَة القبرسي للمراكب الحربية فَيَقُول: إِن القبرسي أقل وأذل من أَن يَأْتِي إِلَى الأسكندرية. وَمَا علم يلبغا أَن شرارة أحرقت الجلمود وبعوضة أهلكت النمرود ودلمة قتلت فيلا وبرغوثا أَشهر ملكا جَلِيلًا. ذكر كَيْفيَّة ظفر القبرسي بالاسكندرية بِمَا جمعه من أَجنَاس نَصَارَى الرومانية وَغير ذَلِك من الواردات المستطردات. وَذَلِكَ أَن نَائِب السُّلْطَان بثغر الْإسْكَنْدَريَّة - وَهُوَ الْأَمِير صَلَاح الدّين خَلِيل بن عرام - كَانَ غَائِبا عَن الثغر الْمَذْكُور بالحجاز الشريف بِسَبَب الْحَج. وَكَانَ نَائِبا عَنهُ فِيهِ بِإِشَارَة الْأَمِير الأتابكي الخاسكي أَمِير يُسمى جنغرا. فَلَمَّا دخل جنغرا الْمَذْكُور الْإسْكَنْدَريَّة رأى طوائفها المتطوعة الحارسة لمينتها تبحر عَلَيْهِ بالجزيرة بقسيهم الجرخ الموترة وأعلامهم الْحَرِير المنشورة مَعَ مَا بِأَيْدِيهِم من المزاريق وَالرمْح والدرق والصفاح والزرد النضيد ومصفحات الْحَدِيد والنفط الطيار الصاعد مِنْهُ لَهب النَّار وهم بملبوسهم الْمُخْتَلف الألوان كالزهر فِي الْبُسْتَان. فَلَمَّا عاينهم جنغرا بَكَى وَقَالَ: هَؤُلَاءِ أهل الْجنَّة لرباطهم وجهادهم فِي سَبِيل الله قد طَابَ وَالله الْعَيْش بِقُوَّة هَذَا الْجَيْش لَو أَتَى الْإسْكَنْدَريَّة جَمِيع نَصَارَى الرومانية مَا قدرُوا على هَذَا الْجَيْش الثقيل على الْإسْكَنْدَريَّة بل يكسرون النَّصَارَى ويصيرونهم قَتْلَى وأسارى. فَأَقَامَ جنغرا بالإسكندرية من شَوَّال سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة إِلَى الْمحرم ينظر إِلَى تِلْكَ الطوائف الَّتِي لكل طَائِفَة مِنْهَا لَيْلَة فِي الْأُسْبُوع تبيت تحرس بساحل المينا وَرُبمَا بَات لَيَال فِي الغرفة الَّتِي على بَاب مَسْجِد تربة طغية وَيقدم قدامه فانوسين أكرتين مُقَابل بَاب الْمَسْجِد الْمَذْكُور. وَتَأْتِي طَائِفَة الزراقين يطلقون النفط وَهُوَ ينظر من طيقان الغرفة الْمَذْكُورَة إِلَى الشرار الطيار واللوالب الَّتِي تَدور بألوان النَّار من الخضرة والصفرة وَالْبَيَاض والحمرة فيتحصل بذلك الانشراح من الْعشي إِلَى الصَّباح ويبتهج أَيْضا بنظره إِلَى كَثْرَة الْخَلَائق المنتشرة على السَّاحِل من الرُّمَاة والعوام وَقد نصب لَهُم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute