الْإسْكَنْدَريَّة لِلْقِتَالِ وَالْحَرب والنزال فتعمرت القلاع الَّتِي من جِهَة الْبَحْر والجزيرة بالرماة الْكَثِيرَة وانتشر النَّاس على السُّور وَصَارَ برماة الجرخ معمور فَخرج من مراكب الفرنج قَارب يجس الميناء بقميرة فَرمى الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ بِالسِّهَامِ فولى هَارِبا حَتَّى لصق بالمراكب. فَلَمَّا كَانَ بعد الْغُرُوب أوقدت الفوانيس على السُّور فضاء السُّور بِالنورِ وَبَات الْمُسلمُونَ متأهبين بالسور محدقين والعدو خانس لم يَتَحَرَّك من الْموضع الَّذِي أرسى بِهِ. وَصَارَت تِلْكَ المراكب منضمة بَعْضهَا إِلَى بعض كالطوقَ الصَّغِير فِي الْبَحْر الْكَبِير فاستهون المسلون أمره وَقَالُوا: مَا يقدر هَذَا على هَذِه الْمَدِينَة المسورة الحصينة. والقلاع المشيدة المتينة. فَلَمَّا كَانَ بعد طُلُوع الشَّمْس من يَوْم الْجُمُعَة انْتَشَر على السَّاحِل بالجزيرة خلق من الْمُسلمين كَثِيرَة مِنْهُم من مَعَه سَيْفه وترسه وَمِنْهُم من مَعَه نبله وقوسه وَمِنْهُم من مَعَه رمحه وخنجره وَمِنْهُم من لَيْسَ عَلَيْهِ سوى ثَوْبه الَّذِي يستره وَبَعْضهمْ قد لبس الزرد المنضد وَبَعْضهمْ من هُوَ عاري مُجَرّد. وَكَانَت الباعة خَرجُوا من الْبَلَد بطباليهم وقدورهم ودسوتهم ملآنة بِالطَّعَامِ يبيعونه على من بالجزيرة من الْخَاص وَالْعَام وَذَلِكَ من لَيْلَة الْخَمِيس ليكسبوا مَعَايشهمْ وهم معلنون بلعن كل رَاهِب وقسيس وَذَلِكَ من غير خوف من المراكب الَّتِي رؤيت يَوْم الْأَرْبَعَاء فِي الْبَحْر. ثمَّ إِنَّهُم مَا فزعوا من الإفرنج باجتماع أفروطتهم يَوْم الْخَمِيس بل صَارُوا يلعنون القبرسي كلعنهم لإبليس لأَنهم فِيمَا تقدم لَهُم من بيعهم على الطوائف الْمُتَقَدّم ذكرهم. فَكَانَ أحدهم يغْضب إِذا أنقص لَهُ الْمُشْتَرى حَبَّة أَو حبتين ويفرح إِذا غلب المُشْتَرِي بِحَبَّة وَاحِدَة فَيصير البَائِع كَمَا قَالَ الشَّاعِر: لاتغضب السوقي فبالحبة ترضيه وَأخذ الْفلس من يَده كأخذ الْفرس من فِيهِ فصاروا يشْتَرونَ من الباعة ويأكلون كَمَا كَانُوا فِي خُرُوجهمْ مَعَ الطوائف يعهدون وَلَيْسَ كل مِنْهُم مفكر فِي أسطول الإفرنج وَلَا مِنْهُ خَائِف. وَصَارَت الحرافيش والعوام يشتمون القبرسي بِالصَّرِيحِ ويسبونه بِكُل لفظ قَبِيح والقبرسي يسمعهم من مراكبه وَهُوَ سَاكن وكل من مَعَه لم ينْطق بِكَلِمَة بل كل مِنْهُم صَامت فَقيل: إِن القبرسي رمى من أَعلَى الجزيرة فِي اللَّيْل جواسيسه فِي زِيّ لِبَاس الْمُسلمين مستعربين كالشياطين فاحتاطوا بِالْمُسْلِمين متجسسين فرأوهم من لِبَاس الْحَرْب عارين فاشتروا كَمَا قيل من الْمَأْكُول وَأتوا بِهِ لصَاحب قبرس بالأسطول وَقَالُوا: لَهُ لَيْسَ بالجزيرة أحد من الشجعان وَلَيْسَ بهَا إِلَّا من هُوَ من لِبَاس الْحَرْب عُرْيَان يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَبَعْضهمْ يحْفر فِي الرمل حفائر وَبهَا ينامون فَلَمَّا كَانَ قبل الشَّمْس من يَوْم الْجُمُعَة. أَقبلت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute