العربان من كل نَاحيَة وَمَكَان قد تخللوا بالكسيان. وَكَانَت النسوان ينظرن إِلَى مراكب الفرنج من رُءُوس الكيمان الَّتِي هِيَ دَاخل السُّور المشرفة على الْقُبُور فزرغتت النسوان لتِلْك العربان. وقلن قد أَتَت الشجعان يقتلُون عباد الصلبان فصاروا يتطاردون على خيولهم تَحت الكيمان وَقد أَرخُوا لَهَا الأعنة عِنْد سماعهم الزرغتة وَتلك العربان كالمطر من كثرتهم خَارِجين من الْبَاب الْأَخْضَر. فصاروا فِي الجزيرة كالجراد الْمُنْتَشِر وكل من سرابيل الْحَرْب منتشر لَيْسَ مَعَ كل وَاحِد مِنْهُم غير سَيْفه الأجرب وَرمحه قَاصِدا إِمَّا لقَتله أَو لجرحه فَقَالَ أحد المغاربة وَغَيره للأمير جنغرا: هَذَا عَدو ثقيل وَقد خرج النَّاس من الثغر عرايا للبلايا والمصلحة دُخُولهمْ الْمَدِينَة يتحصنون بأسوارها الحصينة. ويقاتلون من خلف الأسوار. ليظن الْعَدو أَن خلفهَا كل رجل كالأسد المغوار يذيقونه برميهم عَلَيْهِ الشدَّة. إِلَى أَن تصل من مصر النجحة فَقَالَ مِمَّن لَهُ رِبَاط بالجزيرة: قد انْصَرف على بنائِهِ أُلُوف كَثِيرَة بنيت بَين مَقَابِر الْأَمْوَات لمبيت طوائف القاعات: مَا نَتْرُك هَؤُلَاءِ الفرنج الَّذِي كل مِنْهُم رِجْس مقامر تطرق بأرجلها ترب الْمَقَابِر. قَالُوا ذَلِك خوفًا على ربطهم تخربها الفرنج إِذا نزلُوا الجزيرة بجموعهم الْكَثِيرَة. فَقَالَ عبد الله التَّاجِر لجنغرا: دُخُول الْمُسلمين الْبَلَد أصلح لَهُم فَقَالَت أَرْبَاب الرَّبْط: أَنْتُم مغاربة أخربتم بلدكم طرابلس بِأخذ الفرنج وتريدون أَن تخربوا ربط الْمُسلمين بِدُخُول الْمُسلمين الْبَلَد كَذَلِك وَلَا كَرَامَة بل نمنعهم النُّزُول من الْمركب نذيقهم بِالسِّهَامِ الْعَذَاب والرعب. ثمَّ لما كَانَ بعد وقْعَة القبرسي بِسنتَيْنِ رسم السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف شعْبَان بهدم ماتجده فِي الجزيرة من الرَّبْط والقصور احْتِرَازًا من الْعَدو أَن ينزلها فيجد مأوى يأويه ويجد مَا يشرب من صهاريجها المملوءة. بِمَاء الأمطار فهدمت تِلْكَ الرَّبْط والقصور. وَلَو كَانَ تركُوا للقبرسي الجزيرة وتحصنوا بالسور وقاتلوا من وَرَائه كل رِجْس كفور لَكَانَ الْمُسلمُونَ بتحصينهم بالثغر سلمُوا من الْقَتْل والنهب والأسر وَمَا كَانَ عَلَيْهِم من إخراب الفرنج للربط المبينة لِسَلَامَةِ الْإسْكَنْدَريَّة من أَذَى الْملَّة النَّصْرَانِيَّة فَالَّذِينَ خَافُوا على ربطهم تخربت ودورهم الَّتِي دَاخل الْبَلَد نهبت وَذَلِكَ بِالرَّأْيِ الْغَيْر صائب حَتَّى حلت بهم المصائب لَكِن الْقَضَاء إِذا نزل لَا يرد وَإِذا أَرَادَ الله بِحكم نفذ قَالَ بَعضهم قَضَاء الْمُهَيْمِن لايدفع إِذا حل من ذَا لَهُ يمْنَع وَقَالَ الآخر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute