الْمُسلمين فِي أعلاء يرْمونَ على الفرنج بسهامهم فَقتلُوا من الفرنج جمَاعَة. فَلَمَّا نفدت سِهَامهمْ عَمدُوا إِلَى شرفات الرِّبَاط صَارُوا يهدمونها ويرمون الفرنج بأحجارها إِلَى أَن نفذت حِجَارَة الشراريف مِنْهُم. فَانْقَطع رميهم فَكسرت الفرنج شبابيك الرِّبَاط الْمَذْكُور وصعدوا إِلَيْهِم فَلَمَّا صَارَت الفرانج مَعَهم صاحوا بأجعهم يَا مُحَمَّد وصمتوا فَلم يسمع لَهُم بعد ذَلِك صَوت. أخبر عَنْهُم بذلك عبد الله بن الْفَقِيه أَبُو بكر قيم مَسْجِد الْقشيرِي كَانَ مختفيا بصهريج الْمَذْكُور فذبحتهم الفرنج عَن آخِرهم بخناجرهم فَصَارَت أدميتهم تجْرِي من ميازيب الرِّبَاط الْمَذْكُور كجري الأمطار حِين أَبَانهَا فِيهَا. وَقيل كَانَ عدد المذبوحين فَوق السَّطْح الرِّبَاط من الْمُسلمين زِيَادَة على الثَّلَاثِينَ فطوبى لَهُم إِذْ رزقوا الشَّهَادَة وَختم لَهُم بالسعادة. فَلَمَّا رَجَعَ من خرج من الْإسْكَنْدَريَّة فَارًّا من الفرنج من أَبْوَاب الْبر - كَمَا سَيَأْتِي ذكر صفة فرارهم - وعاينوا الْقَتْلَى المطروحين بِالْأَرْضِ دَاخل الْبَلَد وخارجه بالجزيرة. وقصدوا رِبَاط ابْن سَلام المذكرر فَرَأَوْا تَحت الميازيب دِمَاء كَثْرَة جامدة فَصَعِدُوا إِلَى سطحه فوجدوا الرُّمَاة ذَبَحُوا. وبالجنة قد فرحوا وربحوا فَحَفَرُوا لَهُم خَارج الرَّبْط قبرا متسعا ودفنوهم فِيهِ رَحْمَة الله عَلَيْهِم. فَكَانُوا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فِي أمثالهم: وِقاتَلوا وَقتلُوا لأكفِرن عَنْهُم سيئاتهم ولأدخلنهم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار ثَوابًا من عِنْد الله وَالله عِنْده حسن الثَّوَاب قَالَ الْمُؤلف - غفر الله لَهُ ولوالديه وللمسلمين أجعين -: حَدثنِي الشَّيْخ الصَّاع أَحْمد بن النشاء - شيخ رُمَاة قاعة القرافة بالإسكندرية - قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد الْخياط بعد قدومه من مَدِينَة قبرص مَعَ من حَضَرُوا من أسَارِي الْإسْكَنْدَريَّة الراجعين إِلَيْهَا مِنْهَا. قَالَ: كنت مَعَ رُمَاة الْمُسلمين على سطح رِبَاط ابْن سَلام. حِين صعدت الفرنج إِلَيْنَا فصاروا يذبحون الرُّمَاة وَأَنا أَضْطَرِب من الْخَوْف فتركوني حَيا لصِغَر سني وَأما حُسَيْن البياع فَإِنَّهُم لما قصدُوا ذبحه. ضحك لَهُم فَضَحكت الفرنج بضحكه: وَقَالُوا: اتركوه لِأَنَّهُ ضحك مَوضِع الْخَوْف فَأَسَرْنَا نَحن الْإِثْنَيْنِ فَحزن حُسَيْن بعد ذَلِك وَبكى. وَلما رأى الشَّيْخ مُحَمَّد بن سَلام مَا فعل برباطه من بَابه وشبابيكه النّحاس وَكسر قناديله. وَحرق سقف إيوانه وَقتل رُمَاة الْمُسلمين بِهِ بَكَى وتألم على مَا رأى وَشَاهد. فسد حِينَئِذٍ شبابيكه وبابه بِالْحِجَارَةِ. ثمَّ أَنه عمره ثَانِيًا سنة إِحْدَى وَسبعين وَسَبْعمائة فَصَارَ كَمَا كَانَ أَولا لكنه أقنى سقف إيوانه بِالْحِجَارَةِ لَا بالخشب حَتَّى لَا يصير للنار
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute