فِيهِ عمل إِن حدث أَمر. نعود إِلَى ذكر خبر الْإسْكَنْدَريَّة: وَذَلِكَ أَن الْأَمِير جنغرا الْمُتَقَدّم ذكره لما رأى النَّاس فروا من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَعَن يَمِينه وشماله بلذع سِهَام الفرنج والتذع هُوَ أَيْضا بهَا وسال دَمه من نصلها. نَدم على مُخَالفَته لقَوْل الْقَائِل: أَدخل النَّاس ليتحصنوا بأسوارها الحصينة يقاتلوا الفرنج الْكفَّار بسهامهم من كوى الأسوار. إِلَى أَن تَأتي النجدة فِي أقرب مُدَّة ليزول بحضروها عَن الْمُسلمين الشدَّة. فتيقن حِينَئِذٍ أَن عدم خُرُوجهمْ من الْأَبْوَاب كَانَ عين الصَّوَاب وَأَن الَّذِي أَشَارَ بِعَدَمِ دُخُولهمْ الْبَلَد كَانَ فِيهِ أَلِيم الْعَذَاب وَصَارَ كل مِنْهُم بالفرار مركون بِبَلَد البسلقون وبلد الكريان وَغَيرهمَا من الْبِلَاد الدانية والبعاد. ثمَّ إِن جنغرا قصد نَاحيَة المطرق المحاذي لدار السُّلْطَان غربي الْإسْكَنْدَريَّة من ظَاهر سورها خائضا بفرسه فِي المَاء وَمن مَعَه من الْمُسلمين فَدخل الْإسْكَنْدَريَّة من بَاب الخوخة. فَأتى بَيت المَال أَخذ مَا كَانَ فِيهِ من ذهب وَفِضة وأخرجها من بَاب الْبر وَأمر بتجار الفرنج وقناصلهم - وَكَانُوا نَحْو خمسين بالإسكندرية مقيمين - أخرجهم من بَاب الْبر ووجههم إِلَى نَاحيَة دمنهور بعد أَن امْتَنعُوا من الْخُرُوج مَعَ الجبلية المرسمين عَلَيْهِم. فَعِنْدَ ذَلِك ضرب أحد الجبلية عنق إفرنجي مِنْهُم بِسَيْفِهِ فحين رَأَوْا ذَلِك خَافُوا أَن تضرب أَعْنَاقهم فأذعنوا بِالْخرُوجِ سرحة فَخرجت الجبلية بهم مسلسلين إِلَى جِهَة دمنهور. وَكَانَ خُرُوجهمْ بهم حِين انضمام الْعَدو إِلَى الْقرب من السُّور فرمتهم الْمُسلمُونَ من أَعلَى السُّور بِالسِّهَامِ فَلم يقدروا على الْوُصُول إِلَيْهِ. ثمَّ إِن الفرنج عَمدُوا إِلَى بتية خشب مَاؤُهَا حريقا وقصدوا بهَا حرق بَاب الْبَحْر بكركرتها بأسنة الرماح فتتابعت عَلَيْهِم السِّهَام من أَعلَى السُّور فَقتل من الفرنج جمَاعَة فحاروا فِي أَمرهم مَاذَا يَفْعَلُونَ فتركوا البتية تتقد بنارها بَعيدا من الْبَاب وَرَجَعُوا إِلَى نَاحيَة الميناء الشرقية ونظروا فَلم يَجدوا على السُّور من تِلْكَ الْجِهَة أحدا. وَلَا ثمَّ خَنْدَق يمْنَع من الصعُود إِلَى السُّور فدرجوا إِلَى جِهَة بَاب الدِّيوَان أحرقوه ودخلوا مَعَ مَا نصبوا هُنَاكَ من السلالم الْخشب المفصلة صعدوا عَلَيْهَا السُّور فَلَمَّا رَآهُمْ الْمُسلمُونَ الَّذين على السُّور من الْبعد قد صعدوه وَبينهمْ وَبَين الفرنج قلعة عالية غير نَافِذَة إِلَيْهِم شردوا طَالِبين النجَاة مِنْهُم لكثرتهم ولتحققهم بِأَن الفرنج ملكت الْبَلَد فَقتل من الْمُسلمين من أَدْرَكته الفرنج وَسلم مِنْهُم من خرج من أَبْوَاب الْبر فَلَو كَانَ السُّور الَّذِي يَلِي الْبَحْر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute