معمراً بِالرِّجَالِ من جِهَة الدِّيوَان والصناعة سلمت مِنْهُم الْإسْكَنْدَريَّة وَإِنَّمَا قَالَ شمس الدّين بن غراب كَاتب الدِّيوَان وشمس الدّين بن أبي عذيبة النَّاظر أغلقوا بَاب الدِّيوَان الَّذِي يَلِي الْبَلَد لِئَلَّا تنقل التُّجَّار بضائعها مِنْهُ إِلَى الْبَلَد فتضيع الْحُقُوق الَّتِي عَلَيْهَا. فقفل الْبَاب فَلذَلِك امْتنعت الرُّمَاة من تِلْكَ الْجِهَة من السُّور فبذلك رأى الْعَدو جِهَة خَالِيَة وَدخل الْبَلَد مِنْهَا. وَقيل إِن ابْن غراب الْمَذْكُور كَانَ متعاملا مَعَ صَاحب قبرس عَلَيْهَا وَأَن صَاحب قبرس أَتَاهَا قبل الْوَقْعَة فِي زِيّ تَاجر أَواه ابْن غراب الْمَذْكُور مُدَّة فَصَارَ القبرسي يتمشى بِالْبَلَدِ فِي جملَة الفرنج الَّتِي بهَا تجارًا وَهُوَ يكيفها وَينظر أَحْوَال النَّاس. فَلَمَّا علم ذَلِك بعد الْوَقْعَة وسط الْأَمِير صَلَاح الدّين بن عرام بعد قدومه من الْحجاز شمس الدّين بن غراب وعلقه قطعتين على بَاب رشيد. فَلَو فتح بَاب الدِّيوَان الَّذِي على الْبَلَد قَاتَلت الْمُسلمُونَ الفرنج من أَعلَى سوره ووجدوا مَا يقوتهم بِالْأَكْلِ من نقل الشَّام. وَكَانَت أَصْحَاب البضائع تحرسها ويطعمون مِنْهَا الْمُجَاهدين. فَلَمَّا لم يكن للأمير جنغرا رأى صائب وقفل ابْن غراب والناظر لباب الدِّيوَان أخذت الفرنج الْبَلَد مِنْهُ ونفذت الْمَقَادِير من كل كَبِير من أهل الثغر وصغير فَمنهمْ من قتل وَمِنْهُم من أسر وَمِنْهُم من سلم وَمِنْهُم من كسر وَمِنْهُم من هرب بعد أَن ألْقى سلاحه واضطرب وَمِنْهُم من ترك وَطنه وتغرب وَمِنْهُم من ازْدحم فِي الْأَبْوَاب وَمَات وَمِنْهُم من افْتقر وبلى بالشتات فَمَا أسْرع مَا أَخذ الثغر وَمَا أعجل مَا انكوت قُلُوب أَهله بالجمر ظَفرت بِهِ الفرنج فِي الْيَوْم الَّذِي نزلُوا فِيهِ من مراكبهم إِلَى الْبر وَلَا أمسك بالحصار يَوْمَيْنِ بل أَخذ من الْمُسلمين فِي ساعتين وَقيل إِن الْحصار للمدن والحصون تمسك السّنة والسنتين. فَلَمَّا دخل الْإسْكَنْدَريَّة الْأَمِير الأتابكي يلبغا الخاسكي بعد الْوَقْعَة قيل لَهُ ذَلِك فَقَالَ: إِذا كَانَ النخال حفظ جِهَته فَكيف لَو كَانَ دَقِيقًا أَو سويقاً. كَانَ يحمي الْبَلَد وَلم يدْخل إِلَيْهِ من الإفرنج أحد وَكَانَ فرار أهل الْإسْكَنْدَريَّة من الفرنج من بَاب السِّدْرَة وَبَاب الزُّهْرِيّ وَبَاب رشيد بعد زحام شَدِيد فَمنهمْ من أَدْرَكته الفرنج بِبَاب السِّدْرَة فَقتلته وَمِنْهُم من أسرته وَمِنْهُم من نزل من السُّور فِي الحبال والعمائم فَعَطب العاطب وَسلم السَّالِم وصعدت الفرنج على أَعلَى بَاب السِّدْرَة. نصبت عَلَيْهِ الصلبان وَصَارَ كل وَاحِد من الْمُسلمين بِرُؤْيَتِهِ للفرنج كالهائم الولهان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute